الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

القراءة واللغة:

قرأ أبو عمرو وابن كثير " فرهن " على وزن فعل. الباقون { فرهان } على فعال. الرهن مصدر رهنت الشيء أرهنه رهناً وأرهنته إرهاناً. والأول أفصح. قال الشاعر في أرهنت:
فلما خشيت أظافيره   نجوت وأرهنته مالكا
وقال الأزهري:
أرهنت في الشيء إذا سلفت فيه.   
قال الشاعر:
عيدّية أرهنت فيها الدنانير   
وأرهنتة إرتهاناً وتراهنوا تراهناً. وراهنه مراهنة واسترهنه استرهاناً. والانسان رهين عمله. وكل شيء يحتبس غيره فهو رهينة ومرتهنة. وأصل الباب الرهن: حبس الشيء بما عليه وواحد الرهن رهان. وهو جمع الجمع نحو ثمار وثمر في قول الكسائي، والفراء. وقال أبو عبيدة: واحده رهن نحو سَقف وسُقف. وقيل لا يعرف في الاسماء فَعل وفُعل غير هذين. وزاد بعضهم قَلب النخلة وقُلب. فأما { رهان } فهو جمع رهن، وهو على القياس نحو حبل وحبال، وفعل وفعال، وكبش وكباش، وإنما اختار أبو عمرو: فرهن لأنه موافق لخط المصحف، ولغلبة الاستعمال في الرهان في الخيل، واختاره الزجاج أيضاً. ومن اختار { رهان } فلاطراده في باب الجمع. وكل حسن. وارتفع { فرهن } بأنه خبر ابتداء محذوف تقديره فالوثيقة رهن ويجوز فعليه ورهن. ولو قرىء " فرهناً " بالنصب بمعنى فارتهنوا رهناً جاز في العربية، ولكن لم يقرأ به أحد. وشاهد الرهن قول قعب بن أم صاحب:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن   وغلقت عندها من قبلك الرهن
المعنى:

ومن شرط صحة الرهن أن يكون مقبوضاً لقوله: { فرهان مقبوضة } فان لم يقبض لم ينعقد الرهن. ومسائل الرهن. ذكرناها في النهاية والمبسوط مستوفاة فلا فائدة للتطويل بذكرها ها هنا. ويجوز أخذ الرهن في الحضر مع وجود الكاتب، لما روي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) اشترى طعاماً نساء ورهن فيه درعاً. وقوله (ع) لا يغلق الرهن. معناه أن يقول الراهن إن جئتك بفكاكه إلى شهر وإلا فهو لك بالدين. وهذا باطل بلا خلاف.

وقوله: { ولا تكتموا الشهادة } يعني بعد تحملها { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } إنما أضاف إلى القلب مجازاً، لأنه محل الكتمان، وإلا فالآثم هو الحي. وقوله: { فإن أمن بعضكم بعضاً } معناه ان أتمنه فلم يقبض منه رهناً { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } يعني الذي عليه الدين { وليتق الله ربه } أن يظلمه أو يخونه { والله بما تعملون عليم } بما تسرونه وتكتمونه.

ودل قوله: { فإن أمن بعضكم بعضاً } على أن الاشهاد والكتابة في المداينة ليس بواجب، وإنما هو على جهة الاحتياط. وقد روي عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما { فإن لم تجدوا كتاباً } يعني ما تكتبون فيه من طرس أو غيره. والمشهور هو الاول الذي حكيناه عن قراء أهل الامصار، وحكي عن بعضهم أنه قرأ { فإنه آثم قلبه } بالنصب فان صح فهو من قولهم: سفهت نفسك وأثمت قلبك.