الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

القراءة:

قرأ حمزة وحده { أن تضل إحداهما } بكسرالالف. الباقون بفتحها. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو { فتذكر } بالتخفيف والنصب. وقرأ حمزة بالتشديد، والرفع. وقرأ { تجارة حاضرة } بالنصب عاصم. الباقون بالرفع.

المعنى:

قوله: { إذا تداينتم } معناه تعاملتم بدين. وإنما قال: { بدين } وإن كان تداينتم أفاده لأمرين:

أحدهما - أنه على وجه التأكيد كما تقول ضربته ضرباً. والثاني - أن تداينتم يكون بمعنى تجازيتم من الدين الذي هو الجزاء فاذا قال: بدين اختص بالدين خاصة { إلى أجل مسمى } معناه معلوم وقوله: { فاكتبوه } ظاهره الأمر بالكتابة. واختلفوا في مقتضاه، فقال أبو سعيد الخدري، والشعبي، والحسن: هو مندوب إليه. وقال الربيع، وكعب: هو على الفرض. والاول أصح، لاجماع أهل عصرنا على ذلك. ولقوله تعالى { فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته } ومفهومه فان أمنه فيما له أن يأمنه. وقال ابن عباس: هذه الآية في السَّلم خاصة. وقال غيره: حكمها في كل دين من سلم أو تأخير ثمن في بيع. وهو الأقوى لآية العموم. فأما القرض فلا مدخل له فيه لأنه لا يجوز مؤجلا وقوله: { ولا يأب كاتب } ظاهره النهي عن الامتناع من الكتابة، والنهي يقتضي تحريم الامتناع. وقال عامر الشعبي هو فرض على الكفاية كالجهاد، وهواختيار الرماني، والجبائي وجوز الجبائي أن يأخذ الكاتب والشاهد الأجرة على ذلك. وعندنا لا يجوز ذلك. والورق الذي يكتب فيه على صاحب الدين دون من عليه الدين. ويكون الكتاب في يده لأنه له. وقال السدي واجب على الكاتب في حال فراغه. وقال مجاهد وعطا هو واجب إذا أمر. وقال الضحاك نسختها قوله: { ولا يضار كاتب ولا شهيد }.

وقوله: { أن يكتب كما علمه الله فليكتب } يعني الكاتب { وليملل الذي عليه الحق } أمر لمن عليه الحق بالاملال وهو الاملاء بمعنى تقول أمليت عليه وأمللت عليه بمعنى واحد. وقوله: { وليتق الله ربه } معناه لا يملل إلا الحق الذي عليه والاملال المراد به الندب لأنه لو أملأ غيره وأشهد هو كان جائزاً بلا خلاف.

وقوله: { ولا يبخس منه شيئاً } أي لا ينقص منه شيئاً والبخس النقص ظلماً. وقد بخسه حقه يبخسه بخساً إذا نقصه ظلماً ومنه قوله تعالى { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } أي لا تنقصوهم ظالمين لهم ومنه قوله { وشروه بثمن بخس } أي ناقص عن حقه والبخس فقأ العين لأنه إدخال نقص على صاحبها وتباخس القوم في البيع إذا تعاتبوا وقوله: { فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً } قال مجاهد السفيه: الجاهل. وقال السدي الصغير وأصل السفه الخفة ومن ذلك قول الشاعر:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت   أعاليها مرّ الرياح النواسم
أي استخفتها الرياح وقال الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4 5