الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ كيف } موضوعة للاستفهام عن الحال. والمعنى ها هنا التوبيخ. وقال الزجاج: هو التعجب للخلق وللمؤمنين. أي اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون. وقد ثبتت حجة الله عليهم.

ومعنى { وكنتم } أي وقد كنتم. الواو واو الحال. واضمار قد جائز اذا كان في الكلام ما يدل عليها. كما قال: { حصرت صدورهم } أي قد حصرت صدورهم وكما قال: { إن كان قميصة قد من دبر } أي قد قُدّ من دبر. ومن قال هو توبيخ قال هو مثل قوله: { فأين تذهبون }. وقال قتادة: وكنتم امواتاً فأحياكم كما كانوا امواتاً في اصلاب آبائهم يعني نطفاً، فاحياهم الله بأن أخرجهم ثم اماتهم الله الموتة التي لا بد منها، ثم احياهم بعد الموت. وهما حياتان وموتان وعن ابن عباس وابن مسعود أن معناه لم تكونوا شيئاً فخلقكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة. وروى ابو الأحوص عن عبد الله في قوله: { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال: هي كالتي في (البقرة): { كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } وهو قول مجاهد وجماعة من المفسرين. وروي عن أبي صالح أنه قال: كنتم امواتاً في القبور فأحياكم فيها،، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة وقال قوم: كنتم امواتاً يعني خاملي الذكر، دارسي الاثر، فاحياكم بالطهور والذكر ثم يميتكم عند تقضي آجالكم ثم يحييكم للبعث قال ابو نخيلة السعدي:
فاحييت من ذكري وما كان خاملا   ولكن بعض الذكر انبه من بعض
وهذا وجه مليح غير أن الاليق بما تقدم قول ابن عباس وقتادة وقال قوم: معناه أن الله تعالى احياهم حين أخذ الميثاق منهم وهم في صلب آدم وكساهم العقل ثم اماتهم ثم احياهم واخرجهم من بطون امهاتهم. وقد بينا أن هذا الوجه ضعيف في نظائره، لأن الخبر الوارد بذلك ضعيف والاقوى في معنى الآية أن يكون المراد بذلك تعنيف الكفار واقامة الحجة عليهم بكفره وجحودهم ما انعم الله تعالى عليهم وانهم كانوا أمواتاً قبل ان يخلقوا في بطون امهاتهم واصلاب آبائهم يعني نطفاً والنطفة موات، ثم احياهم فاخرجهم إلى دار الدنيا احياء، ثم يحييهم في القبر للمساءلة، ثم يبعثهم يوم القيامة للحشر والحساب وهو قوله تعالى: { ثم إليه ترجعون } معناه ترجعون للمجازاة على الاعمال كقول القائل: طريقك عليّ ومرجعك الي. يريد اني مجازيك ومقتدر عليك وسمى الحشر رجوعاً إلى الله، لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم فيه غير الله فيجازيكم على اعمالكم كما يقول القائل: امر القوم إلى الأمير أو القاضي ولا يراد به الرجوع من مكان إلى مكان وانما يراد به ان النظر صار له خاصة دون غيره فان قال قائل: لم يذكر الله احياء في القبر فكيف تثبتون عذاب القبر قلنا: قد بينا أن قوله: { ثم يحييكم } المراد به احياؤهم في القبر للمساءلة وقوله: { ثم إليه ترجعون } معناه احياؤهم يوم القيامة وحذف ثم يميتكم بعد ذلك لدلالة الكلام عليه على ان قوله: { ثم يحييكم } لو كان المراد به يوم القيامة، لم يمنع ذلك من احياء في القبر، واماتة بعده كما قال تعالى:

السابقالتالي
2