الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

المعنى:

أصل الربا: الزيادة من قولهم ربا الشيء يربو ربواً إذا زاد. والربا: هو الزيادة على رأس المال. في نسيئة أو مماثلة وذلك كالزيادة على مقدار الدين للزيادة في الأجل أو كاعطاء درهم بدرهمين أو دينار بدينارين، والمنصوص عن النبي (صلى الله عليه وسلم) تحريم التفاضل في ستة أشياء الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والملح. وقيل: الزبيب: فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) فيها مثلاً بمثل يداً بيد من زاد أو استزاد، فقد أربى. هذا الستة أشياء لا خلاف في حصول الربا فيها، وباقي الأشياء عند الفقهاء مقيس عليها. وفيها خلاف بينهم، وعندنا أن الربا في كل ما يكال، أو يوزن إذا كان الجنس واحداً، منصوص عليه. والربا محرم متوعد عليه كبيرة بلا خلاف، بهذه الآية، وبقولهيا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأذنوا بحرب من الله رسوله } وقوله: { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وقتادة: إن قيامهم هذه الصفة يكون يوم القيامة: إذا قاموا من قبورهم، ويكون ذلك إمارة لأهل الموقف على أنهم أكلة الربا. وقوله: { يتخبطه الشيطان } مثل عند أبي علي الجبائي لا حقيقة على وجه التشبيه بحال من تغلب عليه المرة السوداء، فتضعف نفسه ويلج الشيطان بأغوائه عليه فيقع عند تلك الحال ويحصل به الصرع من فعل الله. ونسب إلى الشيطان مجازاً لما كان عند وسوسته. وكان أبو الهذيل وابن الاخشاد يجيزان أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض قالا. لأن الظاهر من القرآن يشهد به، وليس في العقل ما يمنع منه وقال الجبائي: لا يجوز ذلك، لأن الشيطان خلق ضعيف لم يقدره الله على كيد البشر بالقتل والتخبيط ولو قوي على ذلك لقتل المؤمنين الصالحين والداعين إلى الخير، لأنهم أعداؤه، ومن أشد الأشياء عليه. وفي ذلك نظر وأصل الخبط: الضرب على غير استواء، خبطته أخبطه خبطاً. والخبط ضرب البعير الأرض بيديه والتخبظ المس بالجنون أو التخبيل، لأنه كالضرب على غير استواء في الادهاش. والخبطة البقية من طعام أو ماء أو غيره لأنه كالصبة من الدلو وهي الخبطة به، والخبط: ورق تعلفه الابل. والخباط: داء كالجنون، لأنه اضطراب في العقل كالاضطراب في الضرب. والخبطة كالزكمة، لأنها تضرب بالانحدار على اضطراب. والخباط سمة في الفخذ لأنها تضرب فيه على اضطراب ومعنى قوله: { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } إن المشركين قالوا: الزيادة على رأس المال بعد مصيره على جهة الدين كالزيادة عليه في ابتداء البيع وذلك خطأ، لأنه أحدهما محرم والآخر مباح، وهو أيضاً منفصل منه في العقد، لأن الزيادة في أحدهما لتأخير الدين وفي الأخر لأجل البيع.

السابقالتالي
2 3