الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

العهد: العقد، والأصر مثله، والعهد: الموثق. والعهد: الالتقاء، يقال: ما لفلان عهد بكذا، وهو قريب العهد بكذا، والعهد له معان كثيرة. وسمي المعاهد ـ وهو الذمي ـ بذلك لأنه بايع على ما هو عليه من إعطاء الجزية، والكف عنه. والعهدة كتاب الشراء، وجمعه عهد. وإذا أقسم بالعهد تعلق به عندنا كفارة الظهار، وقال قوم: كفارة يمين، وقال آخرون: لا كفارة عليه.

و { عهد الله } قال قوم: هو ما عهد إلى جميع خلقه في توحيده وعدله، وتصديق رسوله بما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته، وعهد إليهم في أمره ونهيه، وما احتج به لرسله بالمعجزات التي لا يقدر على الاتيان بمثلها الشاهدة لهم على صدقه. ونقضهم ذلك: تركهم الاقرار بما قد ثبت لهم صحته بالأدلة، وتكذيبهم الرسل والكتب.

وقال قوم وصية الله إلى خلقه، وأمره على لسان رسله إياهم فيما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه. ونقضهم: تركهم العمل به.

وقال قوم: هذه الآية نزلت في كفار أهل الكتاب، والمنافقين منهم، وإياهم عنى الله عز وجل بقوله { إن الذين كفروا سواء عليهم.. } الآية. وقوله: { ومن الناس من يقول آمنا بالله } وكل ما في هذه الآية من اللوم والتوبيخ متوجه إليهم. وعهد الله الذي نقضوه بعد ميثاقه هو ما أخذه عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) إذا بعث، والتصديق بما جاء به من عند ربهم، ونقضهم ذلك جحودهم به بعد معرفتهم بحقيته وانكارهم ذلك، وكتمانهم ذلك عند الناس بعد إعطائهم إياه تعالى من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وإيمانهم أنهم متى جاءهم نذير آمنوا به، فلما جاءهم النذير ازدادوا نفوراً، ونبذوا ذلك وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا. وهذا الوجه اختاره الطبري. ويقوي هذا قوله:وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من كتابٍ وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا: أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } والأمر العهد أيضاً وقال: في موضع آخر:وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها } وقال:وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا } وقال قوم: انما عنى بذلك العهد الذي أخذه الله حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصفه في قوله:وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم.. } إلى آخر الآية وهذا الوجه عندي ضعيف لأن الله تعالى لا يجوز ان يحتج على عباده بعهد لا يذكرونه ولا يعرفونه. وما ذكروه غير معلوم اصلا.

السابقالتالي
2