الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

المعنى:

معنى الآية الوعد من الشيطان أنكم من أخرجتم من أموالكم الصدقة وأديتم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم افتقرتم. ويأمركم أيضاً بالفحشاء من المعاصي وترك طاعته. والله (تعالى) يعد بالمغفرة منه والستر عليكم، والصفح عن العقوبة { وفضلاً } يعني ويعدكم أن يخلف عليكم خيراً من صدقتكم ويتفضل عليكم ويسبغ عليكم في أرزاقكم قال ابن عباس: اثنان من الله، واثنان من الشيطان. فاللذان من الشيطان الوعد بالفقر والامر بالفحشاء. واللذان من الله المغفرة على المعاصي والفضل في الرزق.

اللغة والمعنى:

والفقر: الحاجة وهو ضد الغنى يقال: أفقره الله إفقاراً وافتقر افتقاراً وتفاقر تفاقراً، لأن الفقر بمنزلة كسر الفقار في تعذر المراد. والفقار: عظام منتظمة في النخاع تسمى خرز الظهر واحدها فقرة. والافقار: إعارة الدابة لتركب ثم ترد. والافقار: دنو الصيد. والفاقرة الداهية، لانها تكسر الفقار. ومنه قوله:تظن أن يفعل بها فاقرة } وأصل الباب الفقار: خرز الظهر. وتقول وعدته الخير، ووعدته بالخير والأصل فيه تعديته بغير حرف الاضافة إلا أنه كثر استعماله في التعدي بحرف الاضافة حتى صار أصلا فيه لكثرته. وأمرته بالخير أكثر في الكلام وإنما يجوز أمرته الخير في الشعر وقوله: { والله واسع عليم } حكى البلخي أنه بغير واو في مصاحف أهل الشام ولم يقرأ به أحد فان صح فهو دلالة على نقصان الحروف من كثير من القرآن على ما اختلفوا فيه. والفرق بين الوعد والوعيد أن الوعيد في الشر خاصة، والوعد بالتقييد للخير والشر معاً غير أنه إذا أطلق لم يكن إلا في الخير، وكذلك إذا أبهم التقييد كقولك وعدته باشياء لأنه بمنزلة المطلق. وحدّ الوعد: هو الخبر بفعل الخير في المطلق. والوعيد: هو الخبر بفعل الشر. والأمر هو قول القائل لمن هو دونه: افعل، مع إرادة المأمور به، فان انضم إليه الزجر عن الاخلال به كان مقتضياً للايجاب. وقال ابن مسعود للشيطان لمة وللملك لمة. ومثله روي عن أبي عبد الله (ع) فلمة الشيطان وعده بالفقر وأمره بالفاحشة ولمة الملك أمره بالانفاق ونهيه عن المعاصي. وقال أبو مسلم والازهري الفحشاء البخل والفاحش البخيل قال طرفة:
عقيلة مال الفاحش المتشدد   
وقال الحسين بن علي المغربي والذي يقوي قوله ما أنشده أبو حيرة الراحل من طي:
قد أخذ المجد كما أرادا   ليس بفحاش يضن الزادا
وقال الرماني: والله ما قالاه بعيد. والفحشاء المعاصي في أغلب الاستعمال ومعنى البيت الذي أنشداه أن الفاحش هو سيء الرد بسؤاله وضيفانه وذلك من البخل لا محالة قال كعب:
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته   ولا برم عند اللقاء هبوب
فتلخيص معنى الآية أن الشيطان يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر باعطاء الجيد - والفَقر والفُقر لغتان - ويعدكم الفقر: معناه بالفقر فحذف الباء وعدّى الفعل فنصب قال:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به   فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وقوله: { والله واسع عليم } معناه واسع يعطي من سعة مقدوراته { عليم } حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة.