الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

المعنى:

معنى قوله: { أيود أحدكم أن تكون له جنة } التقدير (على) مثل ضربه الله في الحسرة بسلب النعمة فقيل هو مثل للمرائي في النفقة، لأنه ينتفع بها عاجلا وتنقطع عنه آجلا في أحوج ما يكون إليه. هذا قول السدي وقال مجاهد: هو مثل للمفرط في طاعة الله بملاذّ الدنيا يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى. وقال ابن عباس: هو مثل للذي يختم عمله بفساد.

اللغة:

وقوله. { أيود أحدكم أن تكون له جنة } فأتى بمستقبل ثم عطف عليه بماض في قوله { وأصابه الكبر } قال الفراء يجوز ذلك في يود لأنها تلتقي مرة بـ (أن) ومرة بـ (لو) فجاز أن يقدر أحداهما مكان الاخرى، لاتفاق المعنى، فكأنه قال أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب وأصابه الكبر. وقال الرماني: وعندي أنه قد دل بأن على الاستقبال، وبتضمين الكلام معنى لو على التمني، كأنه قيل أيحب ذلك متمنياً له. والتمني يقع على الماضي والمستقبل ألا ترى أنه يصح أن يتمنى أن كان له ولد. ويصح أن يتمنى أن يكون له ولد. والمحبة لا تقع إلا على المستقبل، لأنه لا يجوز أن يقال أحب أن كان لي ولد ويجوز أحب أن يكون لي ولد. والفرق بين المودة والمحبة أن المودة قد تكون بمعنى التمني نحو قولك: أود لو قدم زيد بمعنى أتمنى لو قدم، ولا يجوز أحب لو قدم. وقوله أن تكون له جنة، فالجنة: البستان الكثيرة الشجر لأن الشجر يجنه بكثرته فيه. والنخل معروف. وقيل: إنه مأخوذ من نخل المنخل، لاستخلاصه كاستخلاص اللباب بالنخل. والنخل والنخيل جمع نخلة. وهي شجرة التمر. وقوله:كأنهم أعجاز نخل خاوية } وقولهكأنهم أعجاز نخل منقعر } فذكر على اللفظ وأنث على المعنى. والنخل نخل الدّقيق نخلته نخلا. ومنه المنخل، لأنه آلة النخل والنخالة معروفة والنخل نخل السماء بالثلج أو ما صغر من القطر والانتخال الاختيار والتنخل: التخير وأصل الباب النخل: الدقيق. والعنب: ثمر الكرم معروف ورجل عانب وعنب. والعناب معروف. والعناب ما تقطعه الخائنه مشبه بالعنب في التعلق. ورجل عناب: عظيم الانف مشبه بعنقود العنب في التعلق والعظم. وأصل الباب العنب. وقوله: { من تحتها الأنهار } وتحت نقيض فوق وفي الحديث " لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت " أي الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يشعر بهم ذلاً.

والانهار جمع نهر وهو المجرى الواسع من مجاري الماء قال الشاعر:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها   يرى قائم من دونها ماوراءها
معناه وسّعت فتقها كالنهر.

وقوله: { فيها من كل الثمرات } فالثمرة: طعام الناس من الشجر. وقوله: { وأصابه الكبر } فالاصابة الوقوع على المقصود. والمراد ها هنا: لحقه الكبر، والكبر حال زائدة على مقدار آخر.

السابقالتالي
2