الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

القراءة:

قرأ عاصم وابن عامر بربوة - بفتح الراء - الباقون بضمها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع { أكلها } باسكان الكاف الباقون بالتثقيل.

المعنى:

وهذا مثل ضربه الله لمن أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله أي طلباً لرضاه. وقوله: { وتثبيتاً من أنفسهم } بقوة اليقين والبصيرة في الدين في قول ابن زيد، والسدي، وأبي صالح والشعبي. الثاني - قال الحسن ومجاهد: معناه أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم. الثالث - قال أبو علي: معناه توطيناً لنفوسهم على الثبوت على طاعة الله واعترض على قول مجاهد بأنه لم يقل تثبيتاً. وهذا ليس بشيء لأنه لا يجوز أن يقول القائل يثبتوا أنفسهم تثبيتاً إذا كانوا كذلك فهم لا يتثبتون أين يضعون الصدقات. وقوله: { كمثل جنة بربوة } إنما خصت بالربوة لأنها إذا كانت بربوة فتثبتها أحسن وربيعها أكثر كما قال الاعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة   خضراء جاد عليها مسبل هطل
فخص بها الحزن لما بيناه.

اللغة:

والربو: الزيادة يقال ربا الشيء يربو إذا زاد. وأصابه ربو: إذا أصابه نفس في جوفه، لزيادة النفس على عادته. والربوة: العلو من الأرض لزيادته على غيره بارتفاعه. والربا في المال: المعاملة على أن يأخذ أكثر مما يعطي للزيادة على ما يفرض يقال ربا المال يربو رباً وأربى صاحبه فهو مرب. وأصل الباب الزيادة: وفي الربوة ثلاث لغات - فتح الراء وضمها وكسرها -. وفيها أربع لغات أخر رباوة ورباوة ورباوة وربا. فتلك سبع لغات.

المعنى واللغة:

وقال ابن عباس، والضحاك، والحسن، ومجاهد، والسدي، والربيع: الربوة ولرابية المرتفع من الارض { فأتت أكلها } فالفرق بين الاكل والاكل ان الاكل بالفتح المصدر والاكل بالضم الطعام الذي يؤكل { ضعفين } يعني مثلين في قول الزجاج لأن ضعف الشيء مثله زائداً عليه وضعفاه مثلاه زائدين عليه. وقال قوم: ضعف الشيء مثلاه. وقوله { فطل } قال الحسن والضحاك والربيع وقتادة هو اللين من المطر. وإنما ذكر الطل ها هنا لتشبيه أضعاف النفقة به كثرت أو قلت: إذ كان خيرها لا يختلف على حال في قول الحسن وقتادة. وإنما قيل لما مضى { فإن لم يصبها وابل فطل } لأن فيه إضمار (كان) كأنه قيل: فان يكن لم يصبها وابل، فطل. ومثله قد أعتقت عبدين فان لم أعتق اثنين فواحداً بقيمتهما. والمعنى ان أكن لم أعتق قال الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة   ولم تجدي من أن تقري بها بدا
كأنه قال: أكن لم تلدني لئيمة. والطل المطر الصغار القطر يقال: أطلت السماء فهي مطلة. وروضة طلة ندية. والطل: إبطال الذم بأن لا يثار بصاحبه. طل دمه فهو مطلول لأنه بمنزلة ما جاء عليه الطل، وأذهبه كأنه قيل غسله. والطل والطلل ما شخص من الدار، لأنه كموضع الندى بالطل لغمارة الناس له خلاف المستوى، والقفر، لأن الخصب حيث تكون الأبنية. وصار الطلل اسماً لكل شخص. والاطلال: الاشراف على الشيء والطل: الشحم، ما بالناقة طل أي ما بها طرق. وطلة الرجل امرأته. وأصل الباب الطل: المطر.

وقوله: { والله بما تعملون بصير } معناه عالم بأفعالكم، فيجازيكم بحسنها وفي ذلك ترغيب وترهيب.