الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

القراءة:

قرأ حمزة وحده { فصرهن } بكسر الصاد. الباقون بضمها.

الاعراب:

العامل في قوله { وإذ } يحتمل أن يكون أحد شيئين: أحدهما - ما قال الزجاج: واذكر إذ قال. والثاني - ألم تر إذ قال عطفا على { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه }.

المعنى:

وقيل في سبب سؤال إبراهيم أن يريه كيف يحيي الموتى ثلاثة أقوال:

أحدها - قال الحسن، وقتادة، والضحاك، وأبو عبد الله الصادق (ع): أنه رأى جيفة قد مزقها السباع تأكل منها سباع البرّ وسباع الهواء ودواب البحر فسأل الله (تعالى) أن يريه كيف يحييها وقال ابن اسحاق كان سبب ذلك منازعة نمرود له في الاحياء، وتوّعده إياه بالقتل إن لم يحيي الله الميت بحيث يشاهده، ولذلك قال ليطمئن قلبي إلى أنه لا يقتلني الجبار، وقال قوم إنما سأل ذلك لقومه، كما سأل موسى الرّؤية، لقومه. وقال قوم: إنما سأله، لأنه أحب أن يعلم ذلك علم عيان بعد أن كان عالماً به من جهة الاستدلال. وهو أقوى الوجوه. وقال قوم: إنما سأل ذلك، لأنه كان شاكاً فيه. وروي فيه رواية، فهذا باطل، لأن الشك في أن الله قادر على احياء الموتى كفر لا يجوز على الانبياء، لأنه تعالى لا يجوز أن يبعث إلى خلقه من هو جاهل بما يجوز عليه وما لا يجوز. والذي يبين ذلك أن الله تعالى لما قال له { أولم تؤمن } فقرر أنه قال إبراهيم { بلى ولكن ليطمئن قلبي } فبين أنه عارف بذلك مصدق به، وإنما سأل تخفيف المحنة بمقاساة الشبهات، ودفعها عن النفس.

والالف في قوله { أولم تؤمن } ألف إيجاب قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا   وأندى العالمين بطون راح
أي قد آمنت لا محالة، فلم تسأل ذا، فقال: { ليطمئن قلبي } وقوله { ليطمئن قلبي } معناه ليزداد يقيناً إلى يقينه، وهو قول الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، والربيع، ومجاهد، ولا يجوز " ليطمئن قلبي " بالعلم بعد الشك الذي قد اضطرب به لما بيناه، ولكن يجوز أن يطلب علم البيان بعد علم الاستدلال. وقيل معناه " ليطمئن قلبي " بأن لا يقتلنى الجبار.

اللغة والمعنى:

ويقال: اطمأن يطمئن اطمئناناً: إذا تواطأ والمطمئن من الارض ما انخفض وتطامن، واطمأن إليه إذا وثق به، لسكون نفسه إليه، ولتوطي حاله بالأمانة عنده، وأصل الباب التوطئة.

وقوله: { قال فخذ أربعة من الطير } قيل أنها الديك، والطاووس، والغراب، والحمام. أمر أن يقطعها ويخلط ريشها بدمها، ويجعل على كل جبل منهن جزءاً، هذا قول مجاهد، وابن جريج، وابن زيد، وابن اسحاق، والطير معروف يقال: طار يطير طيراناً وأطاره اطارة وطيره تطييراً، وتطاير تطايراً وطايره مطايرة، واستطار استطارة، فأما تطير تطيراً فمن الطيرة لأنه زجر الطير بما يكره، وتطاير الشيء إذا تفرق في الهواء، وطائر الانسان: عمله الذي قلّده من خير أو شر، لأنه كطائر الزجر في البركة أو الشؤم قال الله (تعالى)

السابقالتالي
2 3