الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

القراءة:

قرأ أهل المدينة { أنا أحيي وأميت } باثبات الألف إذا كان بعدها همزة مضمومة أو مفتوحة. فان كان بعدها همزة مكسورة حذفوها إجماعاً.

المعنى:

قال مجاهد، وقتادة والربيع: إن المحاج لأبراهيم كان نمرود بن كنعان وهو أوّل من تجبر في الأرض بادعاء الربوبية. وقوله: { ألم تر إلى } دخلت إلى الكلام للتعجب من حال الكافر المحاج بالباطل، كما يقولون: أما ترى إلى فلان كيف يصنع، وفيه معنى هل رأيت كفلان في صنيعه كذا، وإنما دخلت { إلى } لهذا المعنى من بين حروف الجر، لأن إلى لما كانت نهاية صارت بمنزلة هل انتهت رؤيتك إلى من هذه صفته لتدل على بعد وقوع مثله على التعجب منه، لأن التعجب إنما يكون مما استبهم شبيه بما لم يجز عادة به، وقد صارت إلى ها هنا بمنزلة كاف التشبيه من حروف الاضافة، لما بينا من العلة إذ كان ما ندر مثله كالذي يبعد وقوعه.

وقوله: { أن آتاه الله الملك } معناه أعطاه والهاء في { آتاه } قال الحسن وأبو علي: إنها كناية عن المحاج لابراهيم. وقال أبو حذيفة والبلخي إنها عائدة إلى إبراهيم. فان قيل: كيف يجوز أن يؤتي الله الكافر الملك؟ قيل: الملك على وجهين:

أحدهما - يكون بكثرة المال واتساع الحال، فهذا يجوز أن ينعم الله (عزّ وجل) به على أحد من مؤمن وكافر، كما قال في قصة بني إسرائيل:وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين } والثاني - ملك بتمليك الأمر والنهي والتدبير لأمور الناس، فهذا لا يجوز أن يجعله الله لأهل الضلال لما فيه من الاستفساد بنصب من هذا سبيله للناس، لأنه لا يصح مع علمه بفساده إرادة الاستصلاح به كما يصح منا فيمن لا يعلم باطن حاله ممن يؤمن علينا. ومن قال الهاء كناية عن إبراهيم (ع) لم يتوجه عليه السؤال، لأنه تعالى لم يؤت الكافر الملك، وإنما آتى نبياً مرسلاً.

وقوله { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت } معناه يحيي الميت ويميت الحي، فقال الكافر عند ذلك: أنا أحيي وأميت، يعنى أحييه بالتخلية من الحبس ممن وجب عليه القتل وأميت بالقتل من شئت ممن هو حي، وهذا جهل منه، لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى، عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع كما يفعله الله (تعالى) من إحياء من قتل أو مات ودفن وذلك معجز لا يقدر عليه سواه، فقال إبراهيم { إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } ولم يكن ذلك انتقالا من إبراهيم من دليل إلى دليل آخر من وجهين:

أحدهما - أن ذلك يجوز من كل حكيم بعد تمام ما ابتدأ به من الحجاج، وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمل، والتدبر لموقعها من الحجة المعتمد عليها.

السابقالتالي
2