الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

القراءة:

قرأ نافع، وأبان عن عاصم { دفاع الله } الباقون { دفع } بلا ألف.

المعنى:

في الآية حذف وتقديره فاستجاب لهم ربهم، فهزموهم بنصره لهم، لأن ذكر الهزيمة بعد سؤال النصرة دليل على أنه كان على معنى الاجابة.

اللغة:

والهزم: الدفع، تقول: هزم القوم في الحرب يهزمهم هزماً: إذا دفعهم بالقتال هرباً منه، وانهزموا انهزاماً، وتهزم السقاء: إذا يبس، فتصدّع لاندفاع بعضه على بعض، والاهتزام الذبح تقول العرب: اهتزموا شاتكم قبل أن تهزل فتهلك، لدفع صاعها بتذكيتها. والهزمة: دفعك الشيء بقوة حتى تدخل عن موضعه في الجسد، وزمزم هزمة، جبرئيل لاسماعيل (ع) والمهزم خشبة يحرك بها الجمر، لأنها يرفع بها بعضه عن بعض، وهزمة الرعد صوته، وأصابتهم هازمة من هوازم الدهر أي داهية كاسرة، لأنها كهازمة الجيش في البليلة، وهزمت عليك أي عطفت عليك.

المعنى:

فالأولى أن يكون القوم هزموهم حقيقة لأنهم سنوا الهزيمة بأن فعلوا ما يلجئهم اليها وقال الجبائي: ذلك مجاز، لأنهم لم يفعلوا هزيمتهم، كما يقال: اخرجه من منزله إذا ألجأه الى الخروج، ولم يفعل خروجه، وهذا ليس بصحيح، لأنه ليس معنى هزمه فعل هزيمته، ليكون إذا صرف عن ذلك الى معنى غيره يكون مجازاً في العبارة بل معناه ما قلناه.

وقوله: { بإذن الله } يحتمل أمرين: أحدهما - بأمر الله. والثاني بعلم الله. وقيل: إن سبب قتل داود جالوت كان أن جالوت طلب البراز، فخرج إليه داود (ع) فرماه بحجر مقلاع فوقع بين عينيه وخرج من قفاه، فأصاب جماعة كثيرة من أهل عسكره فقتلهم، وانهزم القوم عن آخرهم، ذكر ذلك وهب بن منبه وغيره من المفسرين.

وقوله: { وآتاه الله الملك والحكمة } قيل في معناه قولان: أحدهما - أنه جمع له الملك والنبوة في حالة واحدة. والآخر - أنه اختصه من علم السمع بحكمة لم يؤتها غيره.

وقوله: { وعلّمه مما يشاء } معناه أنه علمه أمور الدين وما يشاء من أمور الدنيا، منها صنعة الدرع وعمل السرد، ذكره الزجاج، والطبري. فان قيل: ما الفائدة في قوله: { وعلمه مما يشاء } إذا كنا لا ندري ما الذي شاء من ذلك؟ قيل هو تعالى وإن لم يشرح لنا ما علمه فقد بين لنا أنه خصه من العلم بعد علم الدين بما لم يؤته غيره، لأن غيره من المؤمنين إنما نعلم ما دله الله عليه من أمر دينه ودنياه، وكان داود مساوياً لهم في ذلك إن لم يكن أكثرهم علماً فيه، لأنه كان مؤمناً مثلهم، وكان معهم في أمورهم، فلما بين لنا { آتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } بعد قتل جالوت، علمنا أنه كان خصه بما ذكره من الملك والحكمة، وخصه منه بما لم يخصّ به أحداً سواه.

السابقالتالي
2