الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

القراءة:

قرأ { غرفة } - بالفتح - ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع. الباقون بالضم، وهما لغتان.

اللغة:

قوله: { فلما فصل } معناه قطع، والفصل: القطع. يقال فصل اللحم عن العظم أي قطعه فأبانه عنه، وفصل الصبي فصلاً: إذا قطعه عن اللبن. وقول فصل أي يفصل بين الحق والباطل. والجنود جمع جند قال السدي: كانوا ثمانين ألف مقاتل، والاجناد جمع القلة. وجنّد الجنود تجنيداً أي جمعهم. والجند الأرض الغليظة وكل صنف من الخلق: جند على حدة. وفي الحديث: الأرواح جنود مجندة. وأصل الباب الجند: الغليظ من الأرض.

المعنى:

قوله: { إن الله مبتليكم بنهر } فمعنى الابتلاء ها هنا تمييز الصادق من الكاذب في قوله - على قول الحسن -. وقال وهب بن منية: السبب الذي لأجله ابتلوا بالنهر شكايتهم قلة المياه، وخوف التلف من العطش. والنهر الذي ابتلوا به، قال ابن عباس، والربيع، وقتادة: هو نهر بين الأردن، وفلسطين. وروي عن ابن عباس أيضاً أنه نهر فلسطين. وقوله: { فمن شرب منه } الهاء عائدة على النهر في اللفظ، وهو في المعنى الماء.

وقوله: { فليس مني } معناه ليس على دينى، ولا من أهل ولايتي، فحذف ودلت من عليه.

اللغة:

ويقال: طعم الماء كما يقال طعم الطعام وأنشدوا.
وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا   
والغرفة بالفتح المرة من الغرف. والغرفة بالضم ملء الكف من الماء، فالغرفة اسم للماء المغروف والغرفة إسم للفعل. وقال بعضهم الاختيار الضم لأنه لو جاء على معنى المرة، لكان اغترافة. وهذا ليس بشيء، لأنه إذا كان المعنى واحداً جاز اغترافة، لأنه الأصل وجار غرفة، لأنه أخف، وكلاهما حسن. ويقال غرف يغرف غرفاً، واغترف اغترافاً والمغرفة الآلة التي يغرف بها. وغرف غروف أي كبير والغريف: ماء في الاجمة، لأنه يغرف من بين القصب. ومزادة غرفية مدبوغة بالغرف: وهو جنس من الدباغ. والغريف شجر مجتمع من أي شجر كان. والغرفة العلية. وأصل الباب الغرف.

المعنى:

وقال ابن عباس، وقتادة، والربيع: من استكثر من ذلك الماء عطش، ومن لمن يشرب إلا غرفة روي. وقال الفراء، والحسن، وقتادة، والربيع: والذين جازوا النهر مع طالوت كان عددهم مثل عدد أهل بدر، وهم ثلاثة وبضعة عشر، وهم المؤمنون خاصة. وقال ابن عباس، والسدي: جاوزه الكافر، والمؤمن إلا أن الكافرين انخزلوا عنهم، وبقى المؤمنون على عدد أهل بدر. وهذا قوي، لقوله تعالى: { فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه } ، فلما رأوا كثرة جنود جالوت قال الكفار منهم { لا طاقة لنا اليوم بجالوت } وقال المؤمنون حينئذ الذين عدتهم عدّة أهل بدر { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } قال البلخي: ويجوز أن يكونوا كلهم مؤمنين، غير أن بعضهم أشد إيقاناً وأقوى اعتقاداً، وهم الذين قالوا: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله }.

السابقالتالي
2