الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

المعنى:

هذه الآية ناسخة لقوله:والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } وإن كانت مقدمة عليه في التلاوة وعدة كل متوفى عنها زوجها: أربعة أشهر وعشراً سواء كانت مدخولا بها، أو غير مدخول، حرة كانت أو أمة، فان كانت حبلى، فعدتها أبعد الأجلين، من وضع الحمل أو مضى الأربعة أشهر، وعشرة أيام، وهو المروى عن علي (ع)، ووافقنا في الأمة الأصم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وقالوا: عدتها نصف عدة الحرة: شهران وخمسة أيام، وإليه ذهب قوم من أصحابنا، وقالوا في عدة الحامل: إنها بوضع الحمل، وإن كان بعد على المغتسل، وروي ذلك عن عمر، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة. وعندنا أن وضع الحمل يختص بعدة المطلقة. والذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابه في قول ابن عباس،، وابن شهاب: الزينة، والكحل بالاثمد، وترك النقلة عن المنزل. وقال الحسن في احدى الروايتين عن ابن عباس: إن الواجب عليها الامتناع من الزواج لا غير. وعندنا أن جميع ذلك واجب.

الاعراب:

وقوله: { والذين } رفع بالابتداء { ويتوفون منكم } في صلة الذين { ويذرون أزواجاً } عطف عليه، وخبر الذين قيل فيه أربعة أقوال:

أولها - أن تكون الجملة على تقدير { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً } أزواجهم { يتربصن }.

الثاني - على تقدير { يتربصن } بعدهم أزواجهم.

الثالث - أن يكون الضمير في يتربصن لما عاد الى مضاف في المعنى، كان كان بمنزلته على تقدير { يتربصن } أزواجهم: هذا قول الزجاج والأول قول أبي العباس، والثاني قول الأخفش ونظير قول الزجاج أن تقول: إذا مات، وخلف ابنتين، يرثان الثلثين، المعنى يرث إبنتاه الثلثين.

الرابع - أن يعدل عن الاخبار عن الأزواج، لأن المعنى عليه، والفايدة فيه ذهب إليه الكسائي، والفراء، وأنكر ذلك أبو العباس، والزجاج، لأنه لا يكون مبتدأ لا خبر له، ولا خبر إلا عن مخبر عنه، وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الريح ميلة   على ابن أبي ديان أن يتندما
المعنى لعل إبن أبي ديّان أن يتندم، وهذا يجوز على حذف أن يتندم لأجلي وقال أيضاً:
نحن بما عندنا وأنت بما   عندك راض والرأي مختلف
وقال أبو عبيدة: نظير الآية قول شدّاد بن عنتر:
فمن يك سائلا عنى فاني   وحروة لا ترود ولا نعار
حروة اسم فرسه وإنما حذف الخبر من الأول، لأن خبر الثاني يدل عليه، لأنه أراد فاني حاضر، وفرسي حاضرة لا ترود، ولا نعار، فدل بقوله: لا ترود ولا نعار: على أنها حاضرة بتوعد وتتهدد في قول أبي العباس.

وقوله: { يذرون } يتركون وترك ماضيه يترك تركاً. وتقول ذره تركاً وكذلك يدع ليذر سواء، والعلة في ذلك أنهم كرهوا الواوات في أول الكلام حتى أنهم لم يحلقوها، أو على جهة الزيادة أصلا، ففي رفض وذر: دليل على الكراهة لها أصلية، وليس بعد الضعف إلا الاتباع فلما ضعفت أصلية امتنعت زيادة، فان قيل كيف قال وعشراً بالتأنيث وإنما العدة على الأيام والليالي، ولذلك لم يجز أن تقول: عندي عشر من الرجال والنساء.

السابقالتالي
2