الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

المعنى:

القرؤ: الطهر - عندنا - وبه قال زيد بن ثابت، وعائشة، وابن عمر، وسالم، وأهل الحجاز. وروي عن ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وبه قال أهل العراق، وروه عن علي (ع) أنه الحيض.

اللغة:

وأصل القرء يحتمل وجهين في اللغة:

أحدهما - الاجتماع، فمنه قرأت القرآن، لاجتماع حروفه، ومنه قولهم: ما قرأت الناقة سلاّ قط: أي لم تجمع رحمها على ولد قط. قال عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطلٍ أدماء بكر   هجان اللون لم تقرأ جنينا
ومنه أقرأت النجوم: إذا اجتمت في الافول، فعلى هذا، يقال: أقرأت المرأة: إذا حاضت، فهي مقرىء، في قول الأصمعي، والأخفش، والكسائي والفراء، وأنشدوا له:
قروؤ كقروؤ الحائض   
فتأويل ذلك: إجتماع الدم في الرحم. ويجيء على هذا الأصل أن يكون القرأ: الطهر، لاجتماع الدم في جملة البدن، هذا قول الزجاج.

والوجه الثاني - أن يكون أصل القرء: وقت الفعل الذي يجرى على آخر عادة، في قول أبي عمرو بن العلاء، وقال: هو يصلح للحيض، والطهر، يقال: هذا قارىء الرياح أي وقت هبوبها قال الشاعر:
شنئت العقر عقر بني شليل   إذا هبت لقارئها الرياح
أي لوقت شدة بردها، وقال آخر:
رجا أياس أن تؤوب ولا أذى   إياساً لقرؤ الغائبين يؤوب
أي لحين الغائبين، فعلى هذا يكون القرؤ الحيض، لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة فيه، ويكون الطهر، لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه، قال الأعشى في الطهر:
وفي كل عام أنت جاشم غزوة   تشد لاقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحمد رفعة   لما ضاع فيها من قروء نسائكا
والذي ضاع ها هنا الاطهار، لأنه بعد غيبته، فيضيع بها طهر النساء، فلا يطأهن، والوقت الجاري في الفعل على عادة راجع الى معنى الاجتماع، وذلك، لاجتماع الفعل مع الوقت الدائر، فالاجتماع أصل الباب. وأخذ القرؤ من الوقت رداً له الى فرع، وكلا الأمرين يحتمل في اللغة.

المعنى،

ومن خفف الهمزة في { قروء } قال: قرؤ، ومثلهمن يعمل سوءاً } واستشهد أهل العراق بأشياء يقوى أن المراد الحيض، منها قوله (ع) في مستحاضة سألته: دعي الصلاة أيام أقرائك. واستشهد أهل المدينة بقوله:فطلقوهن لعدتهن } أي طهر لم يجامع فيه كما يقال لغرّة الشهر، وتأوله غيرهم: لاستقبال عدتهن، وهو الحيض.

فان قيل: لو كان المراد - في الأقراء في الآية - الاطهار، لوجب استيفاء الثلاثة أطهار بكمالها، كما أن من كانت عدتها بالأشهر، وجب عليها ثلاثة أشهر على الكمال، وقد أجمعنا على أنه - لو طلقها في آخر يوم الطهر الذي ما قربها فيه، لا يلزمها أكثر من طهرين آخرين، وذلك دليل على فساد ما قلتموه! قلنا: تسمى القرآن الكاملان، وبعض الثالث ثلاثة أقراء، كما تسمى - الشهران وبعض الثالث -: ثلاثة أشهر قال الله تعالى:

السابقالتالي
2