الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اللغة:

قوله: { يؤلون } معناه: يحلفون - بلا خلاف بين أهل التأؤيل - وهو المروي عن سعيد بن المسيب وهو مأخوذ من الألية قال الشاعر:
كفينا من تغيّب من نزار   وأحنثنا إليّة مقسمينا
ويقال: ألى الرجل - من إمرأته - يؤلي إيلاء، وألية، وألوّة، وهو الحلف قال الأعشى:
إني أليت على حلفة   ولم أقلها سحر الساحر
وجمع أليّة ألايا، وأليّات، كعشية، وعشايا، وعشيات، فأما جمع ألوّة، فألايا، كركوبة وركائب، وجمع ألية: ألاء كصحيفة، وصحائف، ومنه اءتلى يأتلى اءتلاء، وفي التنزيلولا يأتل أولوا الفضل منكم } وتقول: لا تألوا ألياً، وألوّ، نحو العتى، والعتوّ. وما ألوت جهداً، ولا ألوته نصحاً، أو غشا، ومنه قوله:لا يألونكم خبالاً } وقال الشاعر:
نحن فصلنا جهدنا لم نأتله   
أي لم نقصر. وأصل الباب التقصير، فمنه لا يألوا جهداً، ومنه الألية: اليمين، لأنها لنفي التقصير. وعود ألوة، وألوة: أجود العمود، لأنه خالص.

المعنى:

والايلاء في الآية: المراد به: اعتزل النساء، وترك جماعهن على وجه الاضرار بهن، وكأنه قيل: { للذين يألون } أن يعتزلوا نساءهم { تربص أربعة أشهر } منهم، واليمين التي يكون بها الرجل مؤلياً: هي اليمين بالله عزّ وجلّ، أو بشيء من صفاته التي لا يشركه فيها غيره, على وجه لا يقع موقع اللغو الذي لا فائدة فيه، ويكون الحلف على الامتناع من الجماع على جهة الغضب، والضرار، وهو المروي عن علي (ع)، وابن عباس، والحسن. وقال ابراهيم، وابن سيرين، والشعبي: في الغضب. وقال سعيد بن المسيب: هو في الجماع، وغيره من الضرار، نحو الحلف ألاّ يكلمها.

اللغة:

والتربصّ بالشيء انتظارك به خيراً، أو شراً يحل، وتقول: تربصت بالشيء تربصاً، وربصت به ربصاً، ومنه قوله:فتربصوا به حتى حين } ونتربص به ريب المنون } قال الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلّها   تطلّق يوماً أو يموت حليلها
ومالي على هذا الأمر ربصة: أي تلبث، وأصله الانتظار.

وقوله: " فإن فاءوا " معناه: فان رجعوا، ومنه قوله:حتى تفيء إلى أمر الله } أي ترجع من الخطأ الى الصواب. والفرق بين الفيء والظل: ما قال المبرد: إن الفيء ما نسخ الشمس، لأنه هو الراجع، وأما الظل: فما لا شمس فيه. وكل فيء ظل، وليس كل ظل فيء، ولذلك أهل الجنة في ظل، لا في فيء، لأنه لا شمس فيها، كما قال الله تعالى:وظل ممدود } وجمع الفيء أفياء، تقول: فاء الفيء: إذا تحول عن جهة الغداة برجوع الشمس عنه. وتفيأت في الشجر، وفيأت الشجرة. والفيء: غنائم المشركين، أفاء الله علينا فيهم، لأنه من رجع الشيء الى حقه، والفيء الرجوع عن الغضب. إن فلاناً لسريع الفيء من غضبه.

المعنى:

فان قيل: ما الذي يكون المولى به فايئاً؟ قيل - عندنا -: يكون فايئاً بأن يجامع، وبه قال ابن عباس، ومسروق، وسعيد بن المسيب.

السابقالتالي
2