الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

اللغة:

نكح ينكح نكحاً ونكاحاً: إذا تزوج، وأنكح غيره إنكاحاً: إذا زوّجه وتناكحوا تناكحاً، وناكحه مناكحة قال الاعشى:
ولا تقربنّ جارة إن سرّها   عليك حرام فانكحن أو تأبدا
أي تعفف وأصل الباب التزويج.

المعنى:

وهذه الآية على عمومها - عندنا - في تحريم مناكحة الكفار، وليست منسوخة ولا مخصوصة. وقال ابن عباس في رواية شهر بن حوشب عنه قال: فرق عمر بين طلحة وحذيفة وبين إمرأتيهما اللتين كانتا عندهما وقال غيره عن ابن عباس، وإليه ذهب الحسن، ومجاهد والربيع: هي عامة إلا أنها نسخت بقوله: { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } ، وقال قتادة، وسعيد بن جبير: هي على الخصوص، وإنما اختير ما قلناه لأنه لا دليل على نسخها، ولا على خصوصها، وسنبين وجه الآية في المائدة اذا انتهينا إليها.

فأما المجوسية، فلا يجوز نكاحها إجماعاً. والذي لا يجوز: أن يتزوج مسلمة إجماعاً، وامراحاً واجباراً.

وقوله { ولأمة مؤمنة خير من مشركة } فالأمة: المملوكة. يقال أقرت بالأموة أي بالعبودية وأميت فلانة، وتأميتها اذا جعلتها أمة قال الراجز:
يرضون بالتعبيد والتآمي   
وجمع أمة إماء وأآم وأصل الباب العبوديه، وأصل أمة فعلة بدلالة قولهم أماء واآم في الجمع نحو أكمة وأكام واآكم. والفرق بين { ولو أعجبكم } وبين إن أعجبكم: أن لو للماضي وإن للمستقبل وكلاهما يصح في معنى الآية، ولا يجوز نكاح الوثنية إجماعاً، لأنها تدعو الى النار كما حكاه الله تعالى، وهذه العلة بعينها قائمة في الذمية من اليهودية والنصارى، فيجب أن لا يجوز نكاحها. وفي الآية دلالة على جواز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود الطول، لقوله { ولأمة مؤمنة خير من مشركة } فأما الآية التي في النساء، وهي قوله:ومن لم يستطع منكم طولاً } فإنما هي على التنزيه دون التحريم، ومتى أسلم الزوجان معاً ثبتا على النكاح - بلا خلاف - وبه قال الحسن. وإن أسلمت قبله طرفة عين، فقد وقعت الفرقة - عند الحسن، وكثير من الفقهاء، وعندنا ينتظر عدتها فان أسلم الزوج بنينا أن الفرقة لم تحصل، ورجعت إليه، وإن لم يسلم بنينا أن الفرقة وقعت حين الاسلام غير أنه لا يمكن من الخلو بها. فان أسلم الزوج وكانت ذمية استباح وطؤها بلا خلاف. وإن كانت وثنية انتظر إسلامها ما دامت في العدة، فان أسلمت ثبت عقده عليها، وإن لم تسلم بانت منه.

فان قيل: كيف قيل للكافر الموحد مشرك: قيل فيه قولان:

أحدهما - أن كفره نعمة الله بمنزلة الاشراك في العبادة في عظم الجرم.

والآخر ذكره الزجاج - وهو الأقوى -، لأنه اذا كفر بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فقد أشرك فيما لا يكون إلا من عند الله، وهو القرآن بزعمه أنه من عند غيره.

وقوله { بإذنه } معناه أحد أمرين: أحدهما - باعلامه. والآخر - بأمره، وهو قول الحسن، وأبي علي وغيرهما.