الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا عاصم { إثم كثير } بالثاء. الباقون بالباء، وقرأ أبو عمرو وحده { قل العفو } بالرفع. الباقون بالنصب.

اللغة:

قال أكثر المفسرين: الخمر عصير العنب إذا اشتدّ. وقال جمهور أهل المدينة: ما أسكر كثيره فهو خمر، وهو الظاهر في رواياتنا.

وأما اشتقاقه في اللغة: تقول خمرت لدابة أخمرها خمراً إذا سقيتها الخمر، وخمرت العجين والطين أخمره خمراً: إذا تركتة فلم تستعمله حتى يجود. وأخمر القوم إخماراً: اذا تواروا في الشجر. ويقال لما سترك من شجر: خمرى، مقصوراً، واختمرت المرأة، وخمرت إذا لبست الخمار: وهي المقنعة. وخامره الحزن مخامرة إذا خالطه. وخمر الأناء وغيره تخمراً: إذا غطّيته، واستخمرت فلاناً: اذا استعبدته. والخمار بخار يعقبه شرب الخمر. والمخامرة: المقاربة. والخمر: ما وارك من الشجر، وغيره. والخمر: شبيه بالسجادة. والمخمرة من الغنم: سوداء ورأسها أبيض. ودخل في خمار الناس: إذا دخل في جماعة، فخفي فيهم، وأصل الباب الستر.

والميسر: قال ابن عباس، وعبد الله بن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن سيرين: هو القمار كله وهو الظاهر في رواياتنا.

واشتق الميسر من اليسر، وهو وجوب الشيء لصاحبه، من قولهم: يسر لي هذا الشيء: إذا وجب لي، فهو تيسر لي يسراً، وميسراً، والياسر: الواجب بقداح وجب لك أو غير ذلك. وقيل للمقامر: ياسر، ويسر، قال النابغة:
أو ياسر ذهب القداح بوفره   أسف تآكله الصديق مخلّع
يعنى القامر. وقيل أخذ من التجزءة، لأن كل شيء جزّأته، فقد يسرته، والياسر: الجازر. والميسر: الجزور. وقيل الميسر مأخوذ من اليسر، وهو تسهل الشيء، لأنهم - كانوا - مشتركون في الجزور، ليسهل أمرها إلا أنه المعنى الجهة: القمار.

المعنى:

وقوله: { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فالنفع التي في الخمر: ما كانوا يأخذونه في أثمانها، وربح تجارتها، وما فيها من اللذة بتناولها: أي فلا تغترّوا بالنفع فيها، فالضرر أكثر منه. وقال الحسن، وغيره: هذه الآية تدل على تحريم الخمر، لأنه ذكر أن فيها إثماً، وقد حرم الله الاثم بقوله:قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم } على أنه قد وصفها بأن فيها إثماً كبيراً والكبير يحرم بلا خلاف.

وقال قوم: المعنى وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما. وقال آخرون: المعنى إن الاثم بشرب هذه، والقمار بها أكبر وأعظم، لأنهم كانوا إذا استكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضاً. وقال قتادة: لا تدل الآية على تحريمهما، وإنما تدل الآية التي في المائدة في قوله:إنما الخمر والميسر } الى آخرها. ووجهه قتادة على أنه قد يكثر فيهما { إثم كبير }.

وقوله: { يسألونك ماذا ينفقون } قال السدي: نسخته آية الزكاة. وقال مجاهد: هو فرض ثابت.

السابقالتالي
2