الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

النزول والاعراب:

ذكر جندب بن عبد الله، وعروة بن الزبير: أن هذه الآية نزلت في قصة عبد الله بن جحش وأصحابه لما قاتلوا في رجب، وقتل واقد التميمي بن الحضرمي، ظن قوم أنهم إن سلموا من الاثم فليس لهم أجره، فأنزل الله الآية فيهم - بالوعد -. وخبر { إن الذين آمنوا } الجملة التي هي قوله: { أولئك يرجون رحمة الله } أولئك ابتداء، ويرجون خبره، والجملة خبر (إنّ).

اللغة:

وقوله: { والذين هاجروا } فالهجر ضد الوصل، تقول: هجره يهجره هجراً، وهجراناً: اذا قطع مواصلته. والهجر: ما لا ينبغي من الكلام، تقول: هجر المريض يهجر هجراً، لأنه قال ما لا ينبغي أن يهجر من الكلام، وما زال ذلك هجيراه أي دأبه. والهاجرة: نصف النهار، وهجر القوم تهجيراً: اذا دخلوا في الهاجرة. وسمي المهاجرون لهجرتهم قومهم، وأرضهم. وأهجرت الجارية إهجاراً: إذا شبت شباباً حسناً، فهي مهجرة، ويقال ذلك للناقة، والنخلة. والهجار: حبل يشد به يد الفحل الى إحدى رجليه لأنه يهجر بذلك التصرف وأصل الباب الهجر: قطع المواصلة.

وقوله تعالى: { وجاهدوا } تقول: جهدت الرجل جهداً: إذا حملته على مشقة، وجاهدت العدوّ مجاهدة إذا حملت نفسك على المشقة في قتاله. واجتهدت رأي: اذا حملت نفسك على المشقة في بلوغ صواب الرأي. والجهاد: الأرض الصلبة، وأصل الباب الجهد: الحمل على المشقة.

وقوله تعالى: { في سبيل الله } يعني قتال العدوّ، ويدخل في ذلك مجاهدة النفس.

وقوله { أولئك يرجون } فالرجاء الأمل، رجا يرجو رجاءً، وترجّى ترجياً، وارتجى ارتجاء، والرجا - مقصوراً - ناحية كل شيء، ويثنى رجوان وجمعه أرجاء، ومنه أرجاء البئر نواحيه، وقوله تعالىمالكم لا ترجون لله وقاراً } أي لا تخافون، قال أبو ذؤيب:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها   وخالفها في بيت نوب عواسل
أي لم يخف، وذلك أن الرجاء للشيء الخوف من أن لا يكون، فلذلك سمي الخوف باسم الرجاء، وأصل الباب الأمل، وهو ضد اليأس.

المعنى:

وفي الآية دلالة على أن من مات مصراً على كبيرة لا يرجو رحمة الله لامرين:

أحدهما - أن ذلك دليل الخطاب، وذلك غير صحيح عند أكثر المحصلين.

والثاني - أنه قد يجتمع - عندنا - الايمان والهجرة والجهاد مع ارتكاب الكبيرة، فلا يخرج من هذه صورته عن تناول الآية له، وإنما ذكر المؤمنين برجاء الرحمة وإن كانت هي لهم لا محالة، لأنهم لا يدرون ما يكون منهم من الاقامة على طاعة الله أو الانقلاب عنها الى معصيته، لأنهم لا يدرون كيف تكون أحوالهم في المستقبل. وقال الجبائي: لأنهم لا يعلمون أنهم أدّوا كما يجب لله عليهم، لأن هذا العلم من الواجب، وهم لا يعلمونه إلا بعلم آخر، وكذلك سبيل العلم في أنهم لا يعلمونه إلا بعلم غيره، وهذا يوجب أنهم لا يعلمون إذاً كما يجب لله عليهم.

السابقالتالي
2