الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

القراءة:

قرأ أبو جعفر المدني { ليحكم } - بضم الياء - الباقون بفتحها.

المعنى:

معنى قوله: { كان الناس أمة واحدة } أهل ملة واحدة كما قال النابغة:
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة   وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
أي ذو ملة ودين. وأصل الأمة الأم من قولك: أمّ يؤم أماً: إذا قصده. وهي على أربعة أوجه:

فالأمة: الملة، والأمة: الجماعة، والأمة: المنفرد بالمقابلة، والأمة: القابلة.

واختلفوا في الدين الذي كانوا عليه، فقال ابن عباس، والحسن، واختاره الجبائي: إنهم كانوا على الكفر. وقال قتادة، والضحاك: كانوا على الحق، فاختلفوا. فان قيل: إذا كان الزمان لا يخلوا من حجة كيف يجوز أن يجتمعوا كلهم على الكفر، قلنا: يجوز أن يقال ذلك على التغليب لأن الحجة إذا كان واحداً أو جماعة يسيرة، لا يظهرون خوفاً وتقية، فيكون ظاهر الناس كلهم الكفر بالله، فلذلك جاز الاخبار به على الغالب من الحال، ولا يعتد بالعدة القليلة.

وقوله: { وأنزل معهم الكتاب بالحق } قيل في معناه قولان:

أحدهما - بما فيه من البيان عن الحق من الباطل. الثاني - أن معناه: بأنه حق للاستصلاح به على ما توجبه الحكمة فيه.

وقوله: { ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } فحقيقته، ليحكم منزل الكتاب، لأن الله هو الحاكم بما أنزل فيه، فهو مجاز - في قول الجبائي - قال: إلا أنه جعل اللفظ على الكتاب تفخيماً له، لما فيه من البيان. ويجوز أن يكون في يحكم ضمير اسم الله، فيكون حقيقة. ومن ضم الياء قراءته لا شبهة فيها. والمعنى ليحكم الناس أو العلماء بما فيه من الحق.

وقوله تعالى: { وما اختلف فيه } الهاء عائدة على الحق. وقيل على الكتاب. والأول أصح، لأن اختلافهم في الحق قبل إنزال الكتاب. فان قيل: إذا كانوا مختلفين على إصابة بعضهم له، فكيف يكون الكفر عمهم به؟ قلنا: لا يمتنع أن يكون الكل كفاراً، وبعضهم يكفر من جهة الغلوّ، وبعضهم من جهة التقصير كما كفرت اليهود، والنصارى في عيسى (ع)، فقالت النصارى: هو ربّ، فغالوا. وقصّرت اليهود، فقالوا: كذاب متخرص. فان قيل: كيف يكون الكل كفاراً مع قوله: { فهدى الله الذين آمنوا }؟ قلنا: لا يمتنع أن يكونوا كلهم كانوا كفاراً، فلما بعث الله اليهم بالأنبياء مبشرين، ومنذرين اختلفوا، فآمن قوم، ولم يؤمن آخرون.

وروي عن أبي جعفر (ع) أنه قال: كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله، لا مهتدين، ولا ضُلاّلاً، فبعث الله النبيين.

الاعراب:

وقوله تعالى: { بغياً بينهم } نصب على المفعول له، كأنه قال للبغي بينهم - على قول الأخفش، والزجاج -. وقال بعضهم: الاستثناء متعلق بثلاثة أشياء، كأنه قال: { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } ، ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات، ما اختلفوا فيه إلا بغياً بينهم.

السابقالتالي
2 3