الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

المعنى واللغة:

أنزل الله تعالى هذه الآية، وقد علم أنه سيزل الزالّون من الناس، فتقدم في ذلك، وأوعد فيه، لكي تكون الحجة على خلقه. يقال: زلّ يزل زلاً، وزللاً، ومزلاً، وزلولاً. ومعنى الآية { فان زللتم } بمعنى تنحيتم عن القصد، والشرائع، وتركتم ما أنتم عليه من الدين { من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز } في نعمته { حكيم } في أمره، لا تعجزونه، وحكيم فيما شرع لكم من دينه، وفطركم عليه، وفيما يفعل بكم من عقوبة على معاصيكم إياه بعد إقامة الحجة عليكم. وذكر جماعة من أهل التأويل: أن { البينات } هم محمد (صلى الله عليه وسلم) والقرآن، ذهب اليه السدي، وابن جريج، وغيرهما. وقيل: زلّ في الآية: مجاز تشبيهاً بمن زلّ عن قصد الطريق، وحقيقته: عصيتم الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه. والأولى أن يكون ذلك حقيقة بالعرف.

وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة: أن الله يريد القبيح، لأنه لو أراده لما صح وصفه بأنه حكيم. فان قيل: سواء زلّ العباد أو لم يزلوا، وجب أن يعلم أن الله عزيز حكيم فما معنى الشرط؟ قيل، لأن معنى { عزيز } هو القادر الذي لا يجوز عليه المنع من عقابكم { حكيم } في عقوبته إياكم، فكأنه قال: فاعلموا أن العقاب واقع بكم لا محالة، لأنه عزيز لا يجوز أن يحول بينه وبين عقوبتكم حائل، ولم يمنعه مانع { حكيم } في عقوبته إياكم، وذلك أن حري لهم وصفه بأنه عزيز أنه قدير لا يمنع، لأنه قادر لنفسه. و { حكيم } معناه عليم بتدبير الأمور. ويقال: { حكيم } في أفعاله بمعنى محكم لها وأصل العزة الامتناع، ومنه أرض عزاز: إذا كانت ممتنعة بالشدة وأصل الحكمة المنع من قول الشاعر:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم   إني أخاف عليكم أن أغضبا
ومنه حكمة الدابة