الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

المعنى:

هذا أمر من الله تعالى للمكلفين أن يذكروا الله في الأيام المعدودات: وهي أيام التشريق: ثلاثة أيام بعد النحر، وهو قول ابن عباس، والحسن ومالك والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، وهو قول ابن عباس أيضاً، وذكر الفراء: أن المعلومات: هي أيام التشريق، والمعدودات العشر. وفيه خلاف ذكرناه في اختلاف الفقهاء. وسميت معدودات لأنها قلائل، كما قال:وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } أي قليلة. والجمع بالألف والتاء يصلح للقليل والكثير، والقليل أغلب عليه. وأنكر الزجاج ما يروي في قول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى   وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
من أنه عيب عليه، وزعم أن الخبر موضوع، وقال الألف والتاء يصلح للكثير قال الله تعالى:وهم في الغرفات آمنون } وقال:إن المتقين في جنات وعيون } وإنما احتمل هذا الجمع القليل والكثير، لأن جمع السلامة على طريقة واحدة لا يتميز فيه قليل من كثير، وكان القليل أغلب عليه، لشبهه بالتثنية. والآية تدل على وجوب التكبير في هذه الأيام، وهو أن يقولوا: ألله أكبر ألله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ألله أكبر ولله الحمد. وبه قال الحسن والجبائي، وزاد أصحابنا على هذا القدر: ألله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا, ورزقنا من بهيمة الانعام. وأول التكبير - عندنا - لمن كان بمنى، عقيب الظهر من يوم النحر الى الفجر يوم الرابع من النحر: عقيب خمسة عشرة صلاة، وفي الأمصار عقيب الظهر من يوم النحر الى عقيب الفجر يوم الثاني من التشريق: عقيب عشر صلوات، واختار الجبائي من صلاة الغداة من يوم عرفة الى صلاة العصر آخر يوم التشريق. وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.

وقوله تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه }. المعني في ذلك الرخصة في جواز النفر في اليوم الثاني من التشريق وإن أقام الى النفر الاخير، وهو اليوم الثالث من التشريق، كان أفضل، فان نفر في الأول، نفر بعد الزوال الى الغروب، فان غربت فليس له أن ينفر. وقال الحسن إنما له أن ينفر بعد الزوال الى وقت العصر، فان أدركته صلاة العصر، فليس له أن ينفر إلا يوم الثالث وليس للامام أن ينفر في النفر الأول، وبه قال الحسن.

وقوله تعالى: { فلا إثم عليه } قيل فيه قولان: أحدهما - لا إثم عليه لتكفير سيآته بما كان من حجه المبرور وهو معنى قول ابن مسعود. الثاني - قال الحسن: لا إثم عليه في تعجّله ولا تأخره. وإنما نفى الاثم، لئلا يتوهم ذلك متوهم في التعجّل، وجاء في التأخر على مزاوجة الكلام كما تقول: إن أظهرت الصدقة، فجائز.

السابقالتالي
2