الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }

المعنى:

قوله تعالى: { فإذا قضيتم } معناه فرغتم منها. وأصل القضاء: فصل الأمر على أحكام. وقد يفصل بالفراغ منه كقضاء المناسك وقد يفصل بالعمل له على تمام كقولهفقضاهن سبع سماوات في يومين } وقد يفصل بالاخبار على القطع كقوله تعالى:وقضينا إلى بني إسرائيل } وقد يفصل بالحكم كقضاء القاضي على وجه الالزام بالقهر.

والمناسك المأمور بها ها هنا جميع أفعال الحج المتعبد بها في قول الحسن وغيره من أهل العلم - وهو الصحيح - وقال مجاهد: هي الذبائح.

وقوله { فاذكروا الله } فالذكر هو العلم وقيل: هو حضور المعنى للنفس بالقول أو غيره مما هو كالعلة، لحضوره بها. وقيل: المراد به ها هنا التكبير أيام منى لأنه الذكر الذي يختصه بالترغيب فيه على غيره من الاوقات. وقيل أيضاً إنه سائر الدعاء لله تعالى في ذلك الموطن، لأنه أفضل من غيره - وهو الأقوى - لأنه أعم.

وقوله: { كذكركم آباءكم } معناه ما روي عن أبي جعفر " ع " أنهم كانوا يجتمعون، يتفاخرون بالآباء، وبمآثرهم، ويبالغون فيه. وقوله { أو أشد ذكراً } إنما شبه الأوجب بما هو دونه في الوجوب، لأمرين: أحدهما - أنه خرج على حال لأهل الجاهلية كانت معتادة: أن يذكروا آباءهم بأبلغ الذكر على وجه التفاخر، فقيل: اذكروا الله كالذكر الذي كنتم تذكرون به آباءكم في المبالغة، أو أشد ذكراً بما له عليكم من النعمة. هذا قول أنس، وأبي وائل، والحسن، وقتادة. والثاني - قال عطا: أذكروه بالاستعانة به، كذكركم آباءكم: الصبي لأبيه إذا قال: يا أباه. والأول هو المعتمد.

الاعراب:

وإنما نصب { ذكراً } ولم يخفض كما يخفض في قولهم هذا الذكر أشد ذكر، لأن فيه ضميراً منهم نظير قولك: هم أشد ذكراً، وفي أشد ضميرهم، ولو قلت مررت به أشد ذكراً لكان منصوباً على الحال فأما الذكر، فعلى التمييز.

المعنى:

فان قيل: الأمر بالذكر ها هنا بعد قضاء المناسك أو معه؟ قيل: أجاز أبو علي الوجهين، واستشهد بقولهم: إذا وقفت بعرفات فادع الله، وإذا حججت، فطف بالبيت.

والخلاق: النصيب من الخير، وأصله التقدير، فهو النصيب من الخير على وجه الاستحقاق.