الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

المعنى:

معنى { يكاد }: يقارب، وفيه مبالغة في القرب، وحذفت منه أن، لأنها للاستقبال. قال الفرزدق:
يكاد يمسكه عرفان راحته   ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم
{ يخطف } فيه لغتان يقال: خطف يخطف، وخطف يخطف. والأول أفصح، وعليه القراء. وروي عن الحسن { يخطف } ـ بكسر الخاء وكسر الطاء ويروى { يخطف } بكسر الياء والخاء والطاء. والخطف: السلب. ومنه الحديث، أنه نهى عن الخطفة: يعني النهبة. ومنه قيل الخطاف: والذي يخرج به الدلو من البئر (خطاف)، لاختطافه واستلابه. قال نابغة بني ذبيان:
خطاطيف حجن في حبال متينة   تمد بها أيد اليك نوازع
جعل ضوء البرق، وشدة شعاع نوره، كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، واليوم الآخر، ثم قال: { كلما أضاء لهم مشوا فيه }: يعني كلما أضاء البرق لهم. وجعل البرق مثلا لايمانهم. وإضاءة الايمان أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم، من إصابة الغنائم والنصرة على الأعداء فلذلك أضاء لهم، لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الاقرار ابتغاء ذلك، ومدافعة عن انفسهم واموالهم، كما قال:ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } { وإذا أظلم عليهم }: يعني ضوء البرق على السائرين في الصيب الذي ضربه مثلا للمنافقين، وظلام المنافقين: أن يروا في الاسلام ما لا يعجبهم في دنياهم، من ابتلاء الله المؤمنين بالضراء، وتمحيصه اياهم بالشدائد والبلاء من إخفاقهم في مغزاهم، أو إدالة عدوهم، أو إدبار دنياهم عنهم، أقاموا على نفاقهم، وثبتوا على ضلالهم، كما ثبت السائر في الصيب الذي ضربه مثلا. { وإذا أظلم } وخفت ضوء البرق، فحار في طريقه، فلم يعرف منهجه.

وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } ، انما خص الله تعالى ذكر السمع والبصر، انه لو شاء، لذهب بهما دون سائر اعضائهم، لما جرى من ذكرهما في الآيتين من قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } ، وفي قوله { يخطف أبصارهم } فلما جرى ذكرهما على وجه المثل، عقب بذكر ذلك بانه لو شاء، اذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم، وكفرهم، كما توعد في قوله: { محيط بالكافرين }. وقوله: { بسمعهم } قد بينا فيما تقدم، أنه مصدر يدل على الجمع وقيل: إنه واحد موضوع للجمع، فكأنه أراد " باسماعهم " قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعفوا   فان زمانكم زمن خميص
اراد البطون ويقال: ذهبت به واذهبته وحكي أذهب به، وهو ضعيف ذكره الزجّاج والمعنى: ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فدمر عليهم وأهلكهم لأنه { على كل شيء قدير }: أي قادر وفيه مبالغة.