الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }

المعنى:

هذه الآية ناسخة للأولى التي تضمنت النهي عن القتال عند المسجد الحرام حتى يبدءوا بالقتال فيه، لأنه أوجب قتالهم على كل حال حتى يدخلوا في الاسلام في قول الجبائي، والحسن، وغيره، وعلى ما حكيناه عن ابن عباس، وعمر ابن عبد العزيز: أن الأولى ليست منسوخة، فلا تكون هذه ناسخة بل تكون مؤكدة، والفتنة الشرك في قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر (ع). وإنما سمى الكفر فتنة، لأن الكفر يؤدي الى الهلاك كما تؤدي الفتن الى الهلاك، ولأن الكفر إظهار الفساد عند الاختبار، والفتنة إنما هي الاختبار. والدين ها هنا قيل في معناه قولان:

أحدهما - الاذعان لله بالطاعة كما قال الأعشى:
هو دان الرباب إذ كر هو الدّ   ين دراكا بغزوة وصيال
والثاني - الاسلام دون الكفر. وأصل الدين العادة في قول الشاعر:
تقول إذا درأتُ لها وضيني   أهذا دينه أبداً وديني
وقال آخر:
كدينك من أم الحويرث قبلها   وجارتها أم الرباب بما سل
وقد استعمل بمعنى الطاعة في قوله تعالى:ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } واستعمل بمعنى الاسلام، لأن الشريعة فيه يجب أن تجري على عادة قال الله تعالى:إن الدين عند الله الإسلام } وقوله: { فإن انتهوا } معناه امتنعوا من الكفر وأذعنوا بالاسلام، { فلا عدوان إلا على الظالمين } أي فلا قتل عليهم، ولا قتل إلا على الكافرين المقيمين على الكفر، وسمي القتل عدواناً مجازاً من حيث كان عقوبة على العدوان، والظلم، كما قال:فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } وكما قالوجزاء سيئة سيئة مثلها } وكما قال:وإن عاقبتم فعاقبوا } وحسن ذلك لازدواج الكلام، ومزاوجته ها هنا على المعنى، لأن تقديره { فإن انتهوا } عن العدوان، { فلا عدوان إلا على الظالمين }. فان قيل: أيجوز أن تقول لا ظلم إلاّ على الظالمين كما جاز { لا عدوان إلا على الظالمين }؟ قلنا: على القياس لا يجوز، لأن ذلك مجاز، والمجاز لا يقاس عليه - عند المحصّلين - لئلا تلتبس الحقيقة بالمجاز. وإنما جاز في المزاوجة، لأن الكلام معه أبلغ، وأبلغ، كما قال عمرو بن شاس الأسدي:
جزينا ذوى العدوان بالأمس فرضهم   قصاصاً سواء حذوك النعل بالنعل
وأصل الظلم الانتقاص. من قوله تعالىولم تظلم منه شيئاً } وحقيقة ما قدمنا ذكره من أنه ضرر محض لا نفع فيه يوّفي عليه عاجلا ولا آجلا ولا هو واقع على وجه المدافعة.