الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }

القراءة:

قرأ حمزة، والكسائي، { ولا تقتلوهم } { حتى يقتلوكم } { فإن قتلوكم } كله بغير ألف. الباقون بألف في جميع ذلك.

المعنى:

والمعنى لا تبدؤهم بقتل ولا قتال حتى يبدؤكم. إلا أن القتل نقض بنية الحياة، والقتال محاولة القتل ممن يحاول القتل.

وقوله: { واقتلوهم } أمر للمؤمنين بقتل الكفار { حيث ثقفتموهم }.

الاعراب:

ويجوز في حيث ثلاثة أوجه: ضم الثاء، وفتحها، وكسرها، فالضم لشبهها بالغاية، نحو قبل وبعد، لأنه منع الاضافة الى المفرد مع لزوم معنى الاضافة له، فجرى لذلك مجرى قبل وبعد في البناء على الضم، ولا يجب مثل ذلك في (إذ) لأنها مبنية على الوقف، كما أنّ (مذ) لا يجب فيها ما يجب في منذ. والفتح، لأجل الياء، كما فتحت (أين، وكيف) والكسر فعلى أصل الحركة، لالتقاء الساكنين. وإنما كتبت بغير ألف - في الثلاث والكلام في المصحف للايجاز، كما كتبوا الرحمن بلا ألف. وكذلك صالح وخالد، وما أشبهها، من حروف المد واللين، لقوتها على التغيير.

اللغة:

وقوله { ثقفتموهم } تقول: ثقفته أثقفه ثقفاً: اذا ظفرت به، ومنه قوله:فأما تثقفنهم في الحرب } وثقفت الشىء ثقافة: اذا حذقته، ومنه اشتقاق الثقافة بالسيف، وقد ثقف ثقافة فهو ثقف. والثقاف حديدة تكون مع القواس، والرّماح يقوم بها المعوج. وثقف الشىء ثقفاً: إذا لزم، وهو ثقف اذا كان سريع التعلم. وثقفته تثقيفاً: إذا قومته. وأصل الباب: التثقيف التقويم.

المعنى:

وقوله { والفتنة أشد من القتل } قال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وجميع المفسرين: إنها الكفر. وأصل الفتنة الاختبار، فكأنه قال: والكفر الذي يكون عند الاختبار أعظم من القتل في الشهر الحرام ووجه قراءة من قرأ { ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه } أنه جاء في كلام العرب إذا قتل بعضهم، قالوا: قتلنا، فتقديره حتى يقتلوا بعضكم.

ومعنى قوله { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها. وروى أن هذه الآية نزلت في سبب رجل من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام، فعابوا المؤمنين بذلك فبّين الله تعالى أن الفتنة في الدين أعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وإن كان محظوراً لا يجوز.