الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

اللغة والتفسير:

الصيب على فيعل من صاب يصوب، وأصله صَيوِبْ، لكن استقبلتها ياء ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمتا، كما قيل: سيد من ساد يسود، وجيد من جاد يجود، قياساً مطرداً. والصيب المطر. وكل نازل من علو إلى أسفل يقال فيه صاب يصوب قال الشاعر:
كأنهم صابت عليهم سحابه   صواعقها لطيرهن دبيب
وقال عبيد بن الأبرص:
حيّ عفاها صيب رعده   داني النواحي مغدق وابل
وهذا مثل ضربه الله للمنافقين، كان المعنى: أو كاصحاب صيب. فجعل كفر الاسلام لهم مثلا فيما ينالهم فيه من الشدائد، والخوف. وما يستضيئون به من البرق مثلا لما يستضيئون به من الاسلام. وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل بدلالة قوله:يحسبون كل صيحة عليهم } وقال ابن عباس: الصيب القطر. وقال عطا: هو المطر. وبه قال ابن مسعود، وجماعة من الصحابة. وبه قال قتادة. وقال مجاهد: الصيب: الربيع.

وتأويل الآية: مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالاسلام مع استسرارهم الكفر كمثل مُوقِد نار، يستضيء بضوء ناره، أو كمثل مطر مظلم ودقه يجري من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة. فان قيل: فان كان المثلان للمنافقين فلمَ قال: { أو كصيب } وأو لا تكون إلا للشك وان كان مثلهم واحداً منهما، فما وجه ذكر الآخر بأو وهي موضوعه للشك من المخبر عما أخبر به؟ قيل: إن { أو } قد تستعمل بمعنى الواو كما تستعمل للشك بحسب ما يدل عليه سياق الكلام. قال توبة بن الحمير:
وقد زعمت ليلى باني فاجر   لنفسي تقاها أو عليها فجورها
ومعلوم أن توبة لم يقل ذلك على وجه الشك، وانما وضعها موضع الواو وقال جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدرا   كما أتى ربه موسى على قدر
ومثله كثير. قال الزجّاج: معنى { أو } في الآية التخيير، كأنه قال: إنكم مخيرون بان تمثلوا المنافقين تارة بموقد النار، وتارة بمن حصل في المطر. يقال: جالس الحسن أو ابن سيرين. أي: انت مخير في مجالسة من شئت منهما.

والرعد: قال قوم: هو ملك موكل بالسحاب يسبح. روي ذلك عن مجاهد وابن عباس، وابي صالح. وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام). وقال قوم: هو ريح يختنق تحت السماء. رواه ابو خالد عن ابن عباس. وقال قوم: هو اصطكاك اجرام السحاب. فمن قال انه ملك قدر فيه صوته، كأنه قال: فيه ظلمات وصوت رعد، لأنه روي انه يزعق به، كما يزعق الراعي بغنمه. والصيب اذا كان مطراً. والرعد إذا كان صوت ملك، كان يجب أن يكون الصوت في المطر، لأنه قال { فيه } والهاء راجعة اليه، والمعلوم خلافه، لأن الصوت في السحاب والمطر في الجو إلى أن ينزل.

السابقالتالي
2 3