الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

المعنى:

الرفث الجماع ها هنا بلا خلاف، وفي قراءة ابن مسعود { فلا رفوث } ، وقيل: أصله فاحش القول فكنّى به عن الجماع قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلم   
والرفث والترفث: قول الفحش يقال رفث يرفث رفثاً. وروى عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) كراهية الجماع في أول ليلة من كل شهر، إلا أول ليلة من شهر رمضان لمكان الآية والآشبه أن يكون المراد بليلة الصيام ليالي الشهر كله. وإنما ذكر بلفظ التوحيد، لأنه اسم جنس يدل على التكثير.

ومعنى قوله: { هنّ لباس لكم } أنهن يصرن بمنزلة اللباس، كما قال النابغة الجعدي:
اذا ما الضجيع ثنى عطفه   تثنت عليه فكانت لباسا
وقال قوم: معناه هنّ سكن لكم، كما قال:وجعلنا الليل لباساً } أي سكناً. واللباس الثياب التي من شأنها أن تستر الأبدان، ويشبه بها الأغشية فيقال لبّس السيف بالحلية.

وقوله تعالى: { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } معناه أنهم كانوا لما حرم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النوم. خالفوا في ذلك فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك الفريضة. فان قيل: أليس الخيانة انتقاض الحق على جهة المساترة، فكيف يساتر نفسه؟ قلنا عنه جوابان:

أحدهما - أن بعضهم كان يساتر بعضاً فيه فصار كأنه يساتر نفسه، لأن ضرر النقص والمساترة داخل عليه.

الثاني - أنه يعمل عمل المساتر له فهو يعمل لنفسه عمل الخائن له.

ويقال: خانه يخونه خوناً وخيانة، وخونه تخويناً، واختانه اختياناً، وتخوّنه تخوناً، والتخون: التنقص، والتخون: تغيير الحال الى ما لا ينبغيخائنة الأعين } [المؤمن: 19] مشارفة النظر الي ما لا يحل. وأصل الباب منع الحق.

وقوله تعالى: { فتاب عليكم } أي قبل توبتكم على ما بيناه فيما تقدم. وقوله تعالى: { وعفا عنكم } فيه قولان:

أحدهما - غفر ذنبكم. الثاني - أزال تحريم ذلك عنكم، وذلك عفو عن تحريمه عليهم. وقوله تعالى: { فالآن باشروهن } أي جامعوهن، ومعناه الاباحة دون الأمر، والمباشرة إلصاق: البشرة بالبشرة، وهي ظاهر أحد الجلدين بالآخر.

وقوله تعالى: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال الحسن، وغيره: يعني طلب الولد.

الثاني - قال قتادة: يعني الحلال الذي بيّنه الله في الكتاب، والابتغاء: الطلب للبغية، وقوله { وكلوا واشربوا } إباحة للأكل والشرب { حتى يتبّين } أي يظهر، والتبين: تميز الشيء الذي يظهر للنفس على التحقيق { الخيط الأبيض من الخيط الأسود } يعني بياض الفجر من سواد الليل. وقيل: خيط الفجر الثاني مما كان في موضعه من الظلام. وقيل النهار من الليل، فأول النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياء. قال أبو داوود.
فلما أضاءت لنا سدفة   ولاح من الصبح خيط أنارا
وروي عن حذيفة، والأعمش، وجماعة: أن الخيط الابيض: هو ضوء الشمس، وجعلوا أول النهار طلوع الشمس، كما أن آخر غروبها بلا خلاف في الغروب.

السابقالتالي
2 3