الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

هذه الآية ظاهرها يتوجه الى من كان على ظاهر الايمان. فأما الكافر، فلا يعلم بهذا الظاهر أنه مخاطب بالصيام. وقوله { كتب } معناه فرض على ما بيناه فيما مضى.

اللغة:

والصيام، والصوم: مصدر صام يصوم صوماً قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة   تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقال صاحب العين: الصوم، والصمت واحد كقوله تعالى { إني نذرت للرحمن صوماً } أي صمتاً. والصوم قيام بلا عمل صام الفرس على أريه: اذا لم يعلف. وصامت الريح: اذا ركدت. وصامت الشمس: حين تستوي في منتصف النهار. وصامت الفرس: موقفه. والصوم ذرق النعام. والصوم: شجر. وأصل الباب: الامساك، فالصوم: الصمت، لأنه إمساك عن الكلام.

المعنى:

والصوم في الشرع هو الامساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة في زمان مخصوص. ومن شرط انعقاده النية.

وقوله { كما كتب على الذين من قبلكم } قيل فيه ثلاثة أقوال: أحسنها: انه كتب عليكم صيام أيام، كما كتب عليهم صيام أيام. وهو اختيار الجبائي، وغيره، ويكون الصيام رفعاً، لأنه ما لم يسمّ فاعله، ويكون موضع { كما } نصب على المصدر.

والمعنى فرض عليكم فرضاً كالذي فرض على الذين من قبلكم. ويحتمل أن يكون نصباً على الحال من الصيام. وتقديره كتب عليكم مفروضاً أي في هذه الحال.

والثاني - ما قاله الشعبي، والحسن: انه فرض علينا شهر رمضان كما فرض شهر رمضان على النصارى. وإنما زادوا فيه وحوّلوه الى زمان الربيع.

والثالث - ما قاله الربيع، والسدي: إنه كان الصوم من العتمة إلى العتمة لا يحلّ بعد النوم مأكل، ولا مشرب، ولا منكح، ثم نسخ. والأول هو المعتمد. وقال مجاهد. وقتادة: المعني بالذين من قبلكم أهل الكتاب.

وقوله { لعلكم تهتدون } أي لعلكم تتقون المعاصي بفعل الصوم - في قول الجبائي - وقال السدي: لتتقوا ما حرم عليكم من المأكل والمشرب. وقالت فرقة: معناه لتكونوا أتقياء بما لطف لكم في الصيام، لأنه لو لم بلطف به لم تكونوا أتقياء. وإنما قلنا: الأول هو المعتمد، لأنه يصح ذلك في اللغة، إذا كان فرض عليهم صيام أيام كما علينا صيام أيام وإن اختلف ذلك بالزيادة والنقصان.