الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

معنى قوله: كتب: فرض. وأصل الكتب: الخط الدّال على معنى الفرض. وقيل: لأنه، مما كتبه الله في اللوح المحفوظ على جهة الفرض، قال الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا   وعلى المحصنات جرّ الذيول
وقال النابغة الجعدي:
يا بنت عمي كتاب الله أخرجني   عنكم فهل امنعنّ الله ما فعلا
ومنه الصلاة المكتوبة أي المفروضة فان قيل: كيف قيل: كتب عليكم بمعنى فرض، والأولياء مخيرون: بين القصاص، والعفو، وأخذ الدية؟ قلنا عنه جوابان:

أحدهما - انه فرض عليكم ذلك إن اختار أولياء المقتول القصاص. والفرض قد يكون مضيقاً ويكون مخيراً فيه. والثاني - فرض عليكم ترك مجاوزة ما حد لكم الى التعدي فيما لم يجعل لكم.

اللغة:

والقصاص: الأخذ من الجاني مثل ما جنى، وذلك لأنه تال لجنايته. وأصله التلو، من قص الاثر: وهو تلو الاثر. والقصاص، والمقاصة، والمعاوضة، والمبادلة نظائر. يقال: قصّ يقصّ قصّا، وقصصاً. وأقصه به إقصاصاً. واقتصّ اقتصاصاً. وتقاصّوا تقاصاً. واستقص: اذا طلب القصاص استقصاصاً. وقاصه مقاصّة وقصاصاً. وقصّ الشيء بالمقص يقصه قصاً. وقص الحديث يقصه قصصاً. وكذلك قص أثره قصصاً: اذا اقتفى أثره. والقص والقصص: عظم الصدر من الناس، وغيرهم. والقصة: الخصلة من الشعر. والقصة من القصص معروفة. والقصة الجص. والقصاص: التقاص من الجراحات والحقوق شيء بشيء. والقصيص: نبات ينبت في أصول الكمأة. واقصّت الشاة، فهي مقصّ اذا استبان ولدها. وأصل الباب التلوّ.

وقوله تعالى: { الحرّ بالحرّ } فالحر نقيض العبد، والحر من كل شيء. أعتقه. والحرّ: ولد الحية، وولد الظبية، وفرخ الحمام. واحرار البقول: ما يؤكل غير مطبوخ. والحر: نقيض البرد، حرّ النهار يحر حرّا. والحرير: ثياب من إبريسم. والحريرة: دقيق يطبخ باللبن. والحرة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار. وتحرير الكتابة: إقامة حروفها. والحرورية: منسوب الى حرور: قرية كان أول مجتمعهم بها، فالمحرر المختص بخدمة الكنيسة ما عاش، ومنه قولهما في بطني محرراً } وأصل الباب الحرّ خلاف البرد. ومنه الحرير، لأنه يستدفأ به.

قوله: { من عفي له من أخيه شيء } معناه ترك، من عفت المنازل اذا تركت حتى درست. والعفو عن المعصية: ترك العقاب عليها. وقيل: معنى العفو ها هنا ترك القود بقبول الدية من أخيه، فالأخ يجمع أخوة اذا كانوا لأب، وإذا لم يكونوا لاب، فهم أخوان، ذكر ذلك صاحب العين، ومنه قوله: { فاصلحوا بين أخويكم } ومنه الاخاء، والتآخي. والأخوة قرابة الأخ. والتآخي اتخاذ الأخوان. وبينهما إخاء وأخوة. وآخيت فلاناً موآخاة، وإخاء. وأصل الباب الأخ من النسب، ثم شبه به الاخ من الصداقة.

المعنى:

والهاء في قوله: { من أخيه } تعود الى أخي المقتول - في قول الحسن -. وقال غيره: تعود الى أخي القاتل، فان قيل: كيف يجوز أن تعود الى أخي القاتل وهو في تلك الحال فاسق؟ قيل عن ذلك ثلاثة أجوبة:

أحدها - إنه أراد أخوة النسب، لا في الدين، كما قال

السابقالتالي
2 3