الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

القراءة:

قرأ حفص الأهبيرة، وحمزة { ليس البرّ } بنصب الراء. الباقون برفعها. وقرأ نافع، وابن عامر { ولكن البرّ } بتخفيف النون، ورفع الراء.

النزول:

قيل: إن هذه الآية نزلت لما حولت القبلة، وكثر الخوض في نسخ تلك الفريضة، صار كأنه لا يراعى بطاعة الله إلا التوجه للصلاة، فأنزل الله تعالى الآية، وبين فيها أن البر ما ذكره فيها، ودل على أن الصلاة إنما يحتاج اليها لما فيها من المصلحة الدينية، وإنه انما يأمر بها، لما في علمه أنها تدعو الى الصلاح، وتصرف عن الفساد، وإن ذلك يختلف بحسب الأزمان، والأوقات.

المعنى:

وقوله: { ليس البرّ } قيل فيه قولان: أحدهما - ذكره ابن عباس، ومجاهد: أنه { ليس البرّ } كله في التوجه الى الصلاة بل حتى يضاف إلى ذلك غيره من الطاعات التي أمر الله تعالى بها. والثاني - قاله قتادة، والربيع واختاره الجبائي: انه { ليس البرّ } ما عليه النصارى من التوجه الى المشرق، أو ما عليه اليهود من التوجه الى المغرب { ولكن البرّ } ما ذكره الله تعالى في الآية، وبينه. وقوله: { ولكن البرّ من آمن } قيل فيه ثلاثة أقوال:

أولها - { ولكن البرّ } بر { من آمن بالله } فحذف المضاف، وأقام المضاف اليه مقامه، واختاره المبرد، لقوله { ليس البرّ أن تولوا } وقال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي   على وعلٍ في ذي المطارة عاقل
يعني مخافة وعل. وقالت الخنساء:
ترتع ما غفلت حتى اذا ادّكرتْ   فانما هي إقبال وإدبار
معناه انما هي مقبلة تارة، ومدبرة أخرى، فبالغ، فجعلها إقبالا وإدباراً، وقال متمم:
لعمري! وما دهري بتأبين هالك   ولا جزعاً مما أصاب فأوجعا
معناه ولا ذى جزع.

الوجه الثاني - ولكن ذا البرّ من آمن بالله. الثالث - ولكن البارّ من آمن بالله، فجعل المصدر في موضع اسم الفاعل. وقد بينا في ما مضى حقيقة الايمان والخلاف فيه، فلا معنى لاعادته.

والضمير في قوله: { على حبه } يحتمل أن يكون عائداً على حب المال، ويحتمل أن يكون عائداً على حب الاتيان، قال عبد الله بن مسعود: على حب المال، لأنه يأمل العيش ويخشى الفقر. وأما على حب الاتيان، فوجهه ألاّ تدفعه وأنت متسخط عليه كاره. ويحتمل وجهاً ثالثاً: وهو أن يكون الضمير عائداً على الله، ويكون التقدير على حب الله، فيكون خالصاً لوجهه، وقد تقدم ذكر الله تعالى في قوله { من آمن بالله }. وهو أحسنها. والآية تدل على وجوب إعطاء مال الزكاة بلا خلاف. وتدل ايضاً - في قول الشعبي، والجبائي - على وجوب غيره مما له سبب وجوب كالانفاق على من تحب عليه نفقته، وعلى من يجب عليه سدّ رمقه إذا خاف التلف، وعلى ما يلزمه من النذور، والكفارات، ويدخل فيها ايضاً ما يخرجه الانسان على وجه التطوع، والقربة الى الله، لأن ذلك كله من البرّ.

السابقالتالي
2 3