الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }

اللغة:

إن قيل: كيف قال: { مثلهم } ، أضاف المثل إلى الجمع، ثم شبهه بالواحد في قوله: { كمثل الذي استوقد ناراً } ، هلاّ قال كمثل الذين استوقدوا نارا، يكني به عن جماعة من الرجال والنساء، والصبيان. والذي لا يعبر به إلا عن واحد مذكر ولو جاز ذلك، لجاز أن يقول القائل: كأن أجسام هؤلاء ـ ويشير إلى جماعة عظيمي القامة ـ نخلة. وقد علمنا أن ذلك لا يجوز؟ قلنا: في الموضع الذي جعله مثلا لأفعالهم جائز حسن وله نظائر كقوله:تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } والمعنى: كدور أعين الذي يغشى عليه من الموت وكقولهما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } ومعناه إلا كبعث نفس واحدة لأن التمثيل وقع للفعل بالفعل وأما في تمثيل الأجسام لجماعة من الرجال في تمام الخلق والطول بالواحد من النخيل فغير جائز، ولا في نظائره.

التفسير:

والفرق بينهما، أن معنى الآية، أن مثل استضاءة المنافقين بما أظهروا من الاقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله، وبما جاء به قولا ـ وهم به مكذبون اعتقاداً ـ كمثل استضاءة الموقد، ثم اسقط ذكر الاستضاءة، واضاف المثل اليهم كما قال الشاعر وهو نابغة جعدة:
وكيف تواصل من اصبحت   خلالته كأبي مرحب
أي كخلالة أبي مرحب. واسقط لدلالة الكلام عليه وأما إذا أراد تشبيه الجماعة من بني آدم وأعيان ذوي الصور والاجسام بشيء فالصواب أن يشبه الجماعة بالجماعة، والواحد بالواحد؛ لأن عين كل واحد منهم غير اعيان الأخر كما قال تعالى:كأنهم خشب مسندة } وقال:كأنهم أعجاز نخل خاوية } واراد جنس النخل ومثل قوله: ما افعالكم إلا كفعل الكلب ثم يحذف الفعل فيقال: ما افعالكم إلا كالكلب.

وقيل إن { الذي } بمعنى الذين كقوله:والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } وقال الشاعر:
وان الذي حانت بفلج دماؤهم   هم القوم كل القوم يا ام خالد
وانما جاز ذلك، لأن الذين منهم يحتمل الوجوه المختلفة وضعف هذا الوجه من حيث ان في الآية الثانية وفي البيت دلالة على انه اريد به الجمع. وليس ذلك في الآية التي نحن فيها. وقيل فيه وجه ثالث وهو ان التقدير: مثلهم كمثل اتباع الذي استوقد ناراً وكما قال:واسأل القرية } وانما اراد اهلها. وفى الآية حذف (طفئت عليهم النار)

وقوله: { استوقد ناراً } معناه: اوقد ناراً كما يقال استجاب بمعنى اجاب قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى   فلم يستجبه عند ذاك مجيب
يريد: فلم يجبه

الوقَود: الحطب. والوقُود: مصدر وقدت النار وقودا. والاستيقاد: طلب الوقود. والايقاد: ايقاد النار. والتوقد: التوهج. والايقاد: التهاب النار. وزند ميقاد: سريع الوَرْي. وقلب وقاد: سريع الذكاء والنشاط. وكل شيء يتلألأ فهو يتقد.

السابقالتالي
2