الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

القراءة:

قرأ نافع, وابن كثير، وابو عمرو، وابن عاصم، وابن عامر { الرّياح }

على الجمع. الباقون على التوحيد، ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام.

المعنى:

لما أخبر الله تعالى الكفار بأن إلههم إله واحد لاثاني له، قالوا: ما الدلالة على ذلك؟ فقال الله عزّ وجل: { إنّ في خلق السماوات والأرض } الآية الى آخرها.

ووجه الدّلالة من الآية { أن في خلق السماوات والأرض } يدل على أنّ لها خالق، لا يشبهها ولا تشبهه، لانه لا يقدر على خلق الاجسام إلا القديم القادر لنفسه الذي ليس بجسم، ولا عرض، إذ جميع ذلك محدث ولابدّ له من محدث ليس بمحدث، لاستحالة التسلسل. وأما { الليل والنهار } ، فيدلان على عالم مدبر من جهة أنه فعل محكم، متقن، واقع على نظام واحد، وترتيب واحد، لا يدخل شيئاً من ذلك تفاوت، ولا اختلاف.

وأما { الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس } فتدل على منعم دبّر ذلك لمنافع خلقه، ليس من جنس البشر، ولا من قبيل الأجسام، لان الاجسام يتعذر عليها فعل ذلك.

وأما الماء الذي ينزل من السماء، فيدل على منعم به يقدر على التصريف فيما يشاء من الأمور، لايعجزه شيء.

وأمّا { إحياء الأرض بعد موتها } ، فيدل على الانعام بما يحتاج اليه العباد. وإحياؤها: إخراج النبات منها، وأنواع الثمار { وبث فيها من كل دابة } دالّ على ان لها صانعاً مخالفاً لها منعماً بأنواع النعم. { وتصريف الرياح } يدل على الاقتدار على ما لا يتأتى من العباد ولو حرصوا كل الحرص، واجتهدوا كل الاجتهاد، لأنه إذا ذهبت جنوباً مثلا، فاجتمع جميع الخلق على أن يقلبوها شمالاً أو صباً أو دبوراً، لما قدروا على ذلك، ولا تمكنوا على ردِّه من الجهة التي يجيء منها.

وأما { السحاب المسخر } فيدل على أنه يمسكه القديم، والذي لاشبه له ولا نظير، لأنه لا يقدر على تسكين الاجسام الثقال بغير علاقة ولا دعامة إلا الله تعالى، وكذلك لا يقدر على تسكين الارض كذلك إلا القادر لنفسه،، فهي تدل على صانع غير مصنوع قديم لا يشبهه شيء، قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء، حي لا يموت واحد ليس كمثله شيء، سميع بصيرلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } لان صفات النقص لا تجوز عليه تعالى. ويدل على أنه منعم بما لا يقدر غيره على الانعام بمثله، أنه يستحق بذلك العبادة دون غيره.

اللغة:

والخلق هو الاحداث للشيء على تقدير من غير احتذاء على مثال، ولذلك لا يجوز إطلاقه إلا في صفات الله، لأنه ليس أحد - جميع أفعاله على ترتيب من غير احتذاء على مثال - إلا الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4