الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }

المعنى:

قيل في المعني بهذه الآية قولان:

احدهما - قال ابن عباس، ومجاهد، والربيع، والحسن، وقتادة، والسدي، واختاره الجبائي، وأكثر أهل العلم: انهم اليهود، والنصارى: مثل كعب بن الاشرف وكعب بن أسيد، وابن صوريا، وزيد بن تابوه، وغيرهم من علماء النصارى ألذين كتموا أمر محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونبوته: وهم يجدونه مكتوباً في التوراة والانجيل مبينا فيهما.

والثاني - ذكر البلخي: أنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله وهو أعم، لأنه يدخل فيه أولئك وغيرهم، ويروى عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار سألوا نفراً من اليهود عما في التوراة، فكتموهم اياه، فانزل الله عزوجل { إن الذين يكتمون } الآية. وإنما نزل فيهم هذا الوعيد، لان الله تعالى علم منهم الكتمان، وعموم الآية يدل: على أن كل من كتم شيئاً من علوم الدين، وفعل مثل فعلهم في عظم الجرم أو أعظم منه، فان الوعيد يلزمه، وأما ما كان دون ذلك، فلا يعلم بالآية بل بدليل آخر. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " من سئل عن علم يعلمه، فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " وقال ابو هريرة: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم وتلا { إن الذين يكتمون ما أنزل الله } الآية، فهذا تغليظ للحال في كتمان علوم الدين.

وكتمان الشيء اخفاؤه مع الداعي الى اظهاره، لانه لا يقال لمن أخفى مالا يدعوا الى اظهاره داع: كاتم. والكتاب الذى عني ها هنا قيل التوارة. وقيل كل كتاب أنزله الله. وهو أليق بالعموم. وقال الزجاج: هو القرآن، واستدل قوم بهذه الآية على وجوب العمل بخير الواحد من حيث أن الله تعالى توعد على كتمان ما أنزله، وقد بينا في اصول الفقه أنه لا يمكن الاعتماد عليه، لأن غاية ما في ذلك وجوب الاظهار، وليس إذا وجب الاظهار وجب القبول، كما أن على الشاهد الواحد يجب إقامة الشهادة وإن لم يجب على الحاكم قبول شهادته، حتى ينضم اليه ما يوجب الحكم بشهادته، وكذلك يجب على النبي (صلى الله عليه وسلم) إظهار ماحمله، ولا يجب على أحد قبوله حتى يقترن به المعجز الدال على الصدق، ولذلك نظائر ذكرناها. على أن الله تعالى بين أن الوعيد إنما توجه على من كتم ما هو بينة وهدى وهو الدليل، فمن أين أن خبر الواحد بهذه المنزلة، فاذاً لا دلالة في الآية على ما قالوه، والبينات والهدى هي الادلة وهما بمعنى واحد، وإنما كرر لاختلاف لفظهما. وقيل: إنه اراد بالبينات الحجج الدالة على نبوته (صلى الله عليه وسلم) وبالهدى إلى ما يؤديه إلى الخلق من الشرائع، فعلى هذا لا تكرار.

السابقالتالي
2