المعنى: فان قيل: هل الشهداء أحياء على الحقيقة، أم معناه أنهم سيحيون وليسوا أحياء؟ قلنا: الصحيح أنهم أحياء إلى أن تقوم الساعة، ثم يحيبهم الله في الجنة, لا خلاف بين أهل العلم فيه إلا قولا شاذاً من بعض المتأخرين. والأول قول الحسن، ومجاهد، وقتادة، والجبائى، وابن الاخشاد، والرمانى، وجميع المفسرين. والقول الثاني حكاه البلخي. يقال: ان المشركين كانوا يقولون: إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) يقتلون نفوسهم في الحرب لا لمعنى، فأنزل الله تعالى الآية. وأعلمهم أنه ليس الأمر على ما قالوه، وأنهم سيحيون يوم القيامة ويثابون، ولم يذكر ذلك غيره. وقيل: ليس هم أمواتاً بالضلالة بل هم أحياء بالطاعة، والهدى، كما قال:{ أومن كان ميتاً فأحييناه } فجعل الضلالة موتاً، والهداية حياة. وقيل: معناه ليس هم أمواتاً بانقطاع الذكر، بل هم احياء ببقاء الذكر عند الله، وثبوت الاجر عنده. واستدل ابو علي الجبائي على أنهم أحياء في الحقيقة بقوله: { ولكن لا تشعرون } فقال: لو كان المعنى سيحيون في الآخرة، لم يقل للمؤمنين المقرين بالبعث، والنشور { ولكن لا تشعرون } لأنهم يعلمون ذلك، ويشعرون به. فان قيل: ولم خصّ الشهداء بأنهم احياء, والمؤمنون كلهم في البرزخ أحياء؟ قيل يجوز أن يكونوا ذكروا اختصاصاً، تشريفاً لهم. وقد يكون على جهة التقديم للبشارة بذكر حالهم في البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون، كما قال تعالى{ بل أحياء عند ربهم يرزقون } وإنما قيل للجهاد سبيل الله، لأنه طريق الى ثواب الله تعالى. اللغة: والموت: نقص بنية الحياة. والموت - عند من قال إنه معنى عرضي - ينافي الحياة منافاة التعاقب. ومن قال: ليس بمعنى قال: هو عبارة عن فساد بنية الحياة. فأما الحياة، فهي معنى بلا خلاف. الاعراب: وقوله: { أموات } رفع بانه خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: لا تقولوا هم أموات. ولا يجوز فيه النصب على قولك: قلت خيراً، لأن الخير في موضع المصدر كأنه قال: قلت قولا حسناً. فاما قوله{ ويقولون طاعة } فيجوز فيه الرفع والنصب في العربية: ألرفع على منا طاعة: والنصب على نطيع طاعة والفرق بين { بل } و { لكن } ان { لكن } نفي لأحد الشيئين، وإثبات للآخر، كقولك: ما قام زيد لكن عمرو، وليس كذلك { بل } ، لانها للأضراب عن الأول، والاثبات للثاني، ولذلك وقعت في الايجاب كقولك: قام زيد بل عمرو. فاما اذا قصد المتكلم، فانما هو ليدل على أن الثاني أحق بالاخبار عنه من الاول، كقولك: قام زيد بل عمرو، كأنه لم يعتد بقيام الأول. اللغة: والشعور: هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر، وهي الحواس، ولذلك لايوصف تعالى بأنه شاعر، ولا أنه يشعر، وإنما يوصف بأنه عالم ويعلم.