الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

المعنى:

قيل في تكرار قوله: { ومن حيث خرجت } ثلاثة اقوال:

احدها - لاختلاف المعنى وإن اتفق اللفظ، لأن المراد بالاول: من حيث خرجت منصرفاً عن التوجه الى بيت المقدس. { فول وجهك شطر المسجد الحرام } وأريد بالثاني أين كنت في البلاد، فتوجه نحو المسجد الحرام مستقبلا كنت لظهر الكعبة أو وجهها أو يمينها او شمالها.

الثاني - لاختلاف المواطن التي تحتاج الى هذا المعنى فيها.

الثالث - لانه مواضع التأكيد بالنسخ الذي نفلوا فيه من جهة الى جهة للتقرير والتثبيت. فان قيل هل في قوله تعالى: { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } حذف منه (في الصلاة) أم هو مدلول عليه من غير حذف؟ قيل: هو محذوف، لأنه اجتزء بدلالة الحال عن دلالة الكلام، ولو لم يكن هناك حال دالة لم يكن بدّ من ذكر هذا المحذوف إذا أريد به الافهام لهذا المعنى فأما قوله: عليم وحكيم. فانه يدل على المعلوم من غير حذف.

ومعنى قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة } ها هنا. قيل فيه قولان:

احدهما - لا تعدلوا عما أمركم الله في التوجه إلى الكعبة، فيكون لهم عليكم حجة، بأن يقولوا لو كنتم تعلمون أنه من عند الله ما عدلتم عنه.

الثاني - لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة لو جاء على خلاف ما تقدمت به البشارة في الكتب السالفة من أن المؤمنين سيوجهون الى الكعبة.

وموضع اللام من { لئلا } نصب والعامل فيه احد شيئين: فولوا. والآخر ما دخل الكلام من معنى عرّفتكم ذلك. وهو قول الزجاج.

وقوله: { إلا الذين ظلموا منهم } قيل فيه اربعة اقوال:

احدها - أنه استثناء منقطع، و { إلا } بمنزلة (لكن) كقولهما لهم به من علم إلا اتباع الظن } وقوله: ماله علي إلا التعدي، والظلم، كأنك قلت: لكن يتعدى ويظلم، وتضع ذلك موضع الحق اللازم، فكذلك لكن الذين ظلموا منهم، فانهم يتعلقون بالشبهة، ويضعونها موضع الحجة. فلذلك حسن الاستثناء المنقطع قال النابغة:
لاعيب فيهم غير أنّ سيوفهم   بهنّ فلول من قراع الكتائب
جعل ذلك عيبهم على طريق البلاغة، وان كان ليس بعيب. كأنه يقول: ان كان فيهم عيب فهذا، وليس هذا بعيب، فاذاً ليس فيهم عيب، فكذا إن كان على المؤمنين حجة، فللظالم في احتجاجه، ولا حجة له، فليس اذاً عليهم حجة.

القول الثاني - ان تكون الحجة بمعنى المحاجّة، والمجادلة، كأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا منهم، فانهم يحاجوكم بالباطل.

الثالث - ما قاله ابوعبيدة ان { إلا } ها هنا بمعنى الواو كأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة والذين ظلموا منهم. وان ذكر ذلك الفراء والمبرد قال الفراء: لا يجىء إلا بمعنى الواو إلاّ اذا تقدم استثناء كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2