الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

الاعراب:

{ الحق } مرتفع بأنه خبر ابتداء محذوف وتقدير ذاك الحق من ربّك أو هو الحق من ربك. ومثله مررت برجل كريم زيد: اي هو زيد، ولو نصب كان جائزاً في العربية على تقدير إعلم الحق من ربك.

المعنى:

وقوله: { فلا تكونن من الممترين } معناه من الشاكين ذهب اليه ابن زيد، والربيع، وغيرهما من المفسرين. والامتراء الاستخراج. وقيل: الاستدرار. فكأنه قال: فلا تكن من الشاكين فيما يلزمك استخراج الحق فيه. قال الاعشى:
تدرّ على اسؤق الممتريـ ـن ركضاً إذا ما السراب ارجحن   
يعني الشاكين في درورها، لطول سيرها. وقيل: المستخرجين ما عندها. قال صاحب العين: المري مسحك ضرع الناقة. تمر بها بيدك لكي تسكن، للحلب، والريح تمري السحاب مرياً. والمرية من ذلك. والمرية الشك. ومنه الامتراء، والتمارى، والمماراة. والمراء. وأصل الباب الاستدرار. ويقال: بالشكر تمترى النعم اي تستدر. وقال الحسن، والربيع، والجبائي: معنى الآية { فلا تكونن من الممترين } في الحق الذي تقدم اخبار الله به من أمر القبلة، وعناد من كتم النبوة وامتناعهم من الاجتماع على ما قامت به الحجة. وقال بعضهم: { لا تكونن من الممترين } في شيء يلزمك العلم به. وهو الاولى، لانه أعم، والخطاب وان كان متوجهاً الى النبي (صلى الله عليه وسلم) فالمراد به الامة كما قال تعالى:يا أيها النبي إذا طلقتم } وقال:يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } وقال قوم: إن الخطاب له، لأنه إنما لا يجوز عليه ذلك لملازمته أمر الله. ولو لم يكن هناك أمر لم يصح أن يلازم. والنون الثقيلة يؤكد بها الامر والنهي، ولا يؤكد بها الخبر، لما كان المخبر يدل على كون المخبر به، وليس كذلك الأمر والنهي، والاستخبار، لأنه لا يدل على كون المدلول عليه، فألزم الخبر التأكيد بالقسم وما يتبعه من جوابه، واختصت هذه الاشياء بنون التأكيد ليدل على اختلاف المعنى في المؤكد. ولما كان الخبر أصل الجمل أكد بأبلغ التأكيد وهو القسم.