الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

الاعراب:

اختلف النحويون في أن جواب - لئن - لم كان جواب (لو) فقال الاخفش، ومن تبعه اجيبت بجواب - لو، لان الماضي وليها كما يلي لو فاجيبت بجواب (لو) ودخلت كل واحدة منهما على صاحبتها قال الله تعالى:ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون } فجرى مجرى ولو ارسلنا وقالولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله } على جواب لئن. قال سيبويه وجميع اصحابه: ان معنى { لظلوا من بعده يكفرون } ليظلن ومعنى (لئن) غير معنى (لو) في قول الجماعة. وإن قالوا إن الجواب متفق لانهم لا يدفعون أن معنى (لئن) ما يستقبل ومعنى (لو): ما مضى وحقيقة معنى (لو) أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره. كقولك لو أتيتني لأكرمتك أي لم تأتني فلم اكرمك، فامتنع الاكرام، لامتناع الاتيان. ومعنى (إن) (ولئن) انما يقع بهما الشيء لوقوع غيره تقول: إن تأتني أكرمك، فالاكرام يقع بوقوع الاتيان وقال بعضهم: إن كل واحدة منهما على موضعها، وانما لحق في الجواب هذا التداخل، لدلالة اللام على معني القسم، فجاء الجواب بجواب القسم، فاغني عن جواب الجزاء لدلالته عليه، لان معني لظلوا ليظلن وهذا هو معنى قول سيبويه. ويجوز أن تقول: إن أتيتني لم أجفك، ولا يجوز أن تقول: إن اتيتني ما حفوتك، لان (ما) منفصلة (ولم) كجزء من الفعل. ألا ترى أنه يجوز ان تقول: زيداً لم أضرب، ولا يجوز زيداً ما ضربت. وانما يجاب الجزاء بالفعل أو الفاء، فاذا تقدم لام القسم جاز، فقلت لئن أتيتني ما جفوتك.

المعنى:

فان قيل: كيف قال { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } وقد آمن منهم خلق؟ قلنا عن ذلك جوابان:

احدهما - قال الحسن: إن المعنى أن جميعهم لا يؤمن، وهو اختيار الجبائي.

والثاني - أن ذلك مخصوص لمن كان معانداً من أهل الكتاب دون جميعهم الذين وصفهم الله، فقال { يعرفونه كما يعرفون ابناءهم } اختاره البلخي والزجاج. وهذه الآية دالة على فساد قول من قال: لا يكون الوعيد بشرط، وعلى فساد قول من قال بالموافاة، وإن من علم الله أنه يؤمن لا يستحق العقاب أصلا، لان الله تعالى علق الوعيد بشرط يوجب أن يكون متى تحصل الشرط تحصل استحقاق العقاب، وفيها دليل على فساد قول من قال: إن الوعيد لا يقع لمن علم أنه لا يعصي، لان الله تعالى علم من حال الرسول أنه لا يتبع اهواءهم ومع هذا يوعده إن اتبع أهواءهم. وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: إن في المقدور لطفاً، لو فعل الله بالكافر لآمن لا محالة، من قبل أنه قيل في قوله { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } قولان:

أحدهما - أن المعاند لا ينفعه الدلالة لأنه عارف والآخر أنه لا لطف لهم فتلتمسه ليؤمنوا، وعلى القولين فيه دلالة على فساد قول أصحاب اللطف، لان مخرجه مخرج التنصل من التخليف عنهم ما يؤمنون عنده طوعاً، فلو قال قائل: وما في أن الآية لا ينفعهم في الايمان لطف ينفعهم فيه لكان لا يسقط سؤاله إلا بأن يقال: لا لطف لهم كما لا آية تنفعهم وقوله: { ولئن اتبعت أهواءهم } قيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدهما - { لئن اتبعت أهواءهم } في المداراة لهم حرصاً على أن يؤمنوا { إنك إذاً لمن الظالمين } لنفسك مع اعلامنا إياك: { أنهم لا يؤمنون }.

السابقالتالي
2