الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

القراءة:

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم { لرؤوف } على وزن لرعوف. الباقون { لرؤف } على وزن (فعُل).

المعنى:

اخبر الله تعالى أنه جعل أمة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) وسطاً: أي سماها بذلك وحكم لها به. والوسط: العدل. وقيل الخيار، ومعناهما واحد: وقيل: انه مأخوذ من المكان الذي تعدل المسافة منه الى اطرافه. وقيل: بل أخذ الوسط من التوسط بين المقصر والمغالي، فالحق معه. وقال مؤرج: اي وسط بين الناس وبين انبيائهم وقال زهير:
هم وسط يرضى الانام بحكمهم   اذا نزلت احدى الليالي بمعظم
وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: أمة وسطاً: عدلا. وهو قول مجاهد، وقتادة، والربيع، وابن عباس، واكثر المفسرين. وقال صاحب العين: الوسط من الناس وغيرهم، ومن كل شيء أعدله، وافضله وقيل الواسط والوسط بمعنى واحد، كما قيل يابس ويبس بمعنى واحد. قال تعالىفي البحر يبساً } والوسط - بتسكين السين - الموضع. والوسط - بالتحريك - لما بين طرفي كل شيء، ويسمى واسط الرحل بين القادمة والاخرة، وكذلك واسطة القلادة. واصل الباب الوسط: العدل. وقولهم فلان من اوسطهم نسباً: اي تكلله الشرف من نواحيه.

الاعراب:

واللام الاولى في قوله: { لتكونوا شهداء على الناس } لام كي، كأنه قال كي تكونوا، واصلها لام الاضافة. واللام في قوله: { وإن كانت لكبيرة } لام تأكيد، وهي تلزم أن المخففة من الثقيلة، لئلا تلبس بأن التي بمعنى ما، كقوله تعالى:إن الكافرون إلا في غرور } وهي لام الابتداء أخرت الى الخبر في باب (ان) خاصة. واما اللام الثالثة في قوله: { وما كان الله ليضيع إيمانكم } فلام الجحد، واصلها لام الاضافة، والفعل نصب باضمار (أن)، ولا يظهر بعدها (ان)، لان التأويل: ما كان الله مضيعاً ايمانكم، فلما حمل معناه على التأويل، حمل، لفظه ايضاً على التأويل من غير تصريح باظهار (ان).

المعنى:

فان قيل: باي شيء يشهدون على الناس، قلنا فيه ثلاثة اقوال: احدها - ليشهدوا على الناس باعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة كما قال:وجيء بالنبيين والشهداء } وقاليوم يقوم الأشهاد } قال ابن زيد: الاشهاد أربعة الملائكة، والانبياء، وامة محمد (صلى الله عليه وسلم) والجوارح. كما قال:يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } الثاني - يشهدون الانبياء على اممهم المكذبين بانهم بلّغوا. وجاز ذلك لاعلام النبي (صلى الله عليه وسلم) اياهم بذلك.

الثالث - { لتكونوا شهداء على الناس } أي حجة عليهم فيما يشهدون، كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) شهيد بمعنى حجة في كلما اخبر به. والنبي (صلى الله عليه وسلم) وحده كذلك. فأما الامة فجماعتها حجة دون كل واحد منها.

السابقالتالي
2 3 4 5