الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

أخبر الله (تعالى) نبيه عليه السلام أنه سيقول لك فيما بعد السفهاء، وهو جمع سفيه، وهو والجاهل والغبي نظائر.

{ ما ولاهم } معناه، أي شيء ولاّهم. ومعنى ولاّهم صرفهم عنه، ومثله: قلّبه عنه وفتله. { عن قبلتهم التي كانوا عليها }. والقبلة: الجهة التي تستقبل في الصلاة، وقبلة المسلمين: الكعبه. والسفيه: الخفيف إلى ما لا يجوز له أن نخف إليه، وهي صفة ذم في الدين. وضد السفه الحكمة. واشتقاق لاهم من الولي وهو حصول الثاني بعد الأول من غير فصل. فالثاني يلي الأول، والثالث يلي الثاني، والرابع يلي الثالث ثم هكذا أبداً. ووّلى عنه خلاف وّلى إليه: مثل قولك. عدل عنه، وعدل إليه، وانصرف، عنه وانصرف إليه. فاذا كان الذي يليه متوجهاً إليه فهو متول إليه واذا كان متوجهاً إلى خلاف جهته؛ فهو متول عنه.

والقبلة مثل الجلسة للحال التي يقابل لشيء غيره عليها كما أن الجلسة للتي يجلس عليها. فكان يقال: - فيما حكي - هو لي قبلة، وأنا له قبلة، ثم صار علماً على الجهة التي تستقبل في الصلاة.

واختلفوا في الذين عابوا المسلمين بالانصراف عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة على ثلاثة أقوال:

[الأول] فقال ابن عباس، والبراء بن عازب: هم اليهود [الثاني] قال الحسن: هم مشركوا العرب، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا حول الكعبة من بيت المقدس، قالوا: يا محمد (صلى الله عليه وسلم) رغبت عن قبلة آبائك، ثم رجعت إليها ايضاً، والله لترجعن إلى دينهم. والثالث قال السدي: انهم المنافقون، قالوا ذلك استهزاء بالاسلام. واختلفوا في سبب عيبهم الصرف عن القبلة: فقال قوم: انهم قالوا ذلك على وجه الانكار للنسخ. و [الثاني] قال ابن عباس: إن قوماً من اليهود قالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، ارجع اليها نتبعك ونؤمن. وأرادوا بذلك فتنته. الثالث - انه قال ذلك مشركوا العرب ليوهموا ان الحق ماهم عليه.

وإنما صرفهم الله عن القبلة الاولى لما علم الله تعالى من تغير المصلحة في ذلك. وقيل انما فعل ذلك لما قال تعالى { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } ، لانهم كانوا بمكة، أمروا أن يتوجهوا الى بيت المقدس ليتميزوا من المشركين الذين كانوا بحضرتهم يتوجهون الى الكعبة، فلما انتقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى المدينة كان اليهود المجاورون للمدينة يتوجهون الى بيت المقدس فنقلوا الى الكعبة ليتميزوا من هؤلاء كما اريد في الاول ان يتميزوا من أولئك واختار ذلك البلخي والجبائي والرماني.

وقوله تعالى: { قل لله المشرق والمغرب } أمر من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) ان يقول لهؤلاء الذين عابوا انتقالهم عن بيت المقدس الى الكعبة: المشرق والمغرب ملك لله يتصرف فيهما كيف شاء على ما تقتضيه حكمته.

السابقالتالي
2