الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

اللغة:

قوله: { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم } فالامة المراد بها هنا الجماعة والامة على ستة اقسام الجماعة والامة: الحين لقوله:وادكر بعد أمة } أي بعد حين، والامة القدوة والامام. لقوله:إن إبراهيم كان أمة قانتا } والامة العامة وجمعها امم. قال الاعشى:
وان معاوية الاكرمين   حسان الوجوه طوال الامم
والامة: الاستقامة في الدين والدنيا. قال النابغة:
وهل يأثمن ذوامة وهو طائع   
والامة: أهل الملة الواحدة. كقولهم: أمة موسى، وامة عيسى، وامة محمد (صلى الله عليه وسلم) واصل الباب: القصد من أمه يؤمه. اذا قصده. ومعنى خلت. مضت كما تقول: لثلاث خلون من الشهر، أي مضين. وأصله: الانفراد ومنه خلا الرجل بنفسه: اذا انفرد. وخلا المكان من أهله أي انفرد منهم. وحد الخلو: حصول الشيء وحده. والفرق بين الخلو والفراغ، أن الخلو اذا لم يكن مع الشيء غيره، وقد يفرغ منه وهو معه. فاذا قلت خلا منه فليس معه. والكسب: العمل الذي يجلب به نفع، ويدفع به ضرر عن النفس. وكسب لاهله: اذا اجتلب، ذلك لهم بعلاج ومراس. ولذلك لا يجوز في صفة الله.

وقوله { ولا تسألون عما كانوا يعملون } معناه انه لا يقال لكم اعملوا كذا وكذا. وعلى جهة المطالبة بما يلزمهم من أجل عملهم. كما لا يقال لهم لم عملتم انتم كذا وكذا. وانما يطالب كل انسان بعمله دون عمل غيره كما قال:ولا تزر وازرة وزر أخرى } وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة: إن الابناء يؤخذون بذنوب الآباء. ويؤخذ الطفل بذنب ابيه، لان الله تعالى نفى ذلك ومثله قوله: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقوله:اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم } والاشارة بقوله: { تلك أمة } إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ولدهم. يقول الله تعالى لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى دعوا ذكر ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والمسلمين من اولادهم بغير ما هم اهله، ولا تنسبوا اليهم الكفر، واليهودية والنصرانية، ولا تضيفوها اليهم وإنها امة قد خلت ولا تسألون انتم عما كانوا يعملون.

الاعراب:

وقوله { لها ما كسبت } يحتمل ان يكون موضعه نصب بأنه حال كأنه قال: قد يلزمها ما تستحقه بعملها. ويجوز أن لا يكون لها موضع لانها مستأنفة. ولا يكون جزء من الجزء الاول، لكن تكون متصلة به في المعنى وان لم تكن جزء منه، لانهما خبران في المعنى عن شيء واحد. كأنه قيل للجماعة. قد خلت. والجماعة لها ما كسبت.