الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

{ أم } ها هنا منقطعة وليست بمتصلة كقولهالم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه } ومثله قول الشاعر:
كذبتك عينُك أم رأيت بواسط   غلس الظلام من الرباب خيالا
ولا تجيء منقطعة الألف وقد تقدمها كلام، لانها بمعنى بل، وألف الاستفهام. كأنه قيل: بل كنتم شهداء، ومعناها ـ هنا ـ الجحد: اي ما كنتم شهداء. واللفظ لفظ الاستفهام. والمعنى على خلافه، لأن إخراجه مخرج الاستفهام أبلغ في الكلام، وأشد مظاهرة في الحجاج: أن يخرج الكلام مخرج التقرير بالحق فتلزم الحجة، والانكار له فتظهر الفضيحة، فلذلك اخرج الجحد في الاخبار مخرج الاستفهام.

والمخاطب بـ { أم كنتم شهداء } أهل الكتاب في قول الربيع. والمعنى: انكم لم تحضروا ذلك، فلا تدّعوا على انبيائي ورسلي الأباطيل بنحلكم اياهم خلاف الاسلام من اليهودية والنصرانية، فاني ما بعثتهم إلا بالحنفية. والشهداء جمع شهيد. و { إذ } ها هنا بدل من { إذ } الاولى، والعامل فيها معنى الشهادة. وقيل بل العامل فيها حضر، وكلاهما حسن.

اللغة:

والحاضر والشاهد من النظائر. ونقيض الحاضر الغائب. ويقال: حضر حضوراً، واحضره إحضاراً، واستحضره استحضاراً، واحتضره احتضاراً، وحاضره محاضرة. والحضر خلاف البدو. وحضرت القوم أحضرهم حضوراً: اذا شهدتم. والحاضر خلاف الغائب. واحضر الفرس إحضاراً: اذا عدا عدواً شديداً واستحضرته استحضاراً. والحضرة الجماعة من الناس ما بين الخمسة إلى العشرة. وحاضرت الرجل محاضرة وحضاراً: اذا عدوت معه. وحاضرته: اذا جانيته عند السلطان، أو في خصومة، ومحضر القوم مرجعهم إلى المياه بعد النجعة، وفرس محضر. ولا يقال: محضاراً. وألقت الشاة حضيرتها يعني المشيمة وغيرها. والابل الحضار البيض. لا واحد لها من لفظها مثل الهجان سواء. وحضرة الرجل فناؤه وأصل الباب الحضور: خلاف الغيبة.

الاعراب:

وقوله { إلهاً واحداً } يحتمل انتصابه أحد أمرين:

احدهما ـ أن يكون حالا من قوله: { إلهك }:

والآخر ـ أن يكون بدلا من إلهك. وتكون الفائدة فيه التوحيد، وانما قدم اسماعيل على اسحاق، لأنه كان اكبرهم. وبه قال ابن زيد.

وقوله: { ونحن له مسلمون } الجملة في موضع نصب على الحال. وقيل لا موضع لها، لانها على الاستئناف و { إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } في موضع خفض. والعامل فيها ما عمل في ابائك، لانه مبين له. كما تقول: مررت بالقوم: اخيك، وغلامك وصاحبك. وانما قال: { آبائك } واسماعيل عم يعقوب، لما قاله الفراء وابو عبيدة: من أن العرب تسمي العم أباً فالآية دالة على ان العمومة يسمون آباء.

وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: " ردّوا علي ابي " يعني العباس عمه فسمي العم أباً كما سمي الجد أباً من حيث يجب له التعظيم، نحو ما يجب للأب، وقد قرىء في الشواذ واله أبيك، فعلى هذا ينجر اسماعيل واسحاق على العطف، وهو غير المعنى الاول، لانه مترجم عن الآباء وفي الثاني عطف غير ترجمة كما تقول رأيت غلام زيد وعمر، أي غلامهما فكانه قال: لهم ولم يذكر بالابوة إلا ابراهيم وحده والقراءة الاولى هي المشهورة وعليها القراء.