الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

القراءة:

قرأ أهل المدينة، وابن عامر " واوصى " بهمزة مفتوحة بين الواوين، وتخفيف الصاد. الباقون ووصى مشددة الصاد. ومن قرأ وصى ذهب إلى قوله:فلا يستطيعون توصية } ومصدر وصى مثل قطع تقطعة ولم يجيئوا به على تفعيل كراهية اجتماع الياءات مع الكسرة. ومن قرأ أوصى فلقوله:من بعد وصية يوصي بها } وكلاهما جيدان.

اللغة:

والوصية مأخوذة من قولهم: اوصى النبت: اذا اتصل بعضه ببعض فلما أوصل الموصي جل أمره إلى الموصى إليه، قيل: وصية. ووصى وأوصى وأمر وعهد نظائر في اللغة. وضد أوصى أهمل. والوصاة كالوصية، والوصاية مصدر التوصي. والفعل أوصيت إيصاء ووصيت توصية، في المبالغة، والكثرة وتقول: قد قبل الوصاية. وإذا انطاع المرعى للسائمة فاصابته رواعد، قبل وصى لها الرعي يصي وصيا. ووصيا. وأصل الباب: الوصية وهي الدعاء إلى الطاعة.

المعنى:

والهاء في قوله: { ووصى بها } يحتمل ان تعود إلى احد شيئين:

احدهما إلى الملة. وقد تقدم ذكرها في قوله: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم }.

والثاني ـ ان يعود إلى الكلمة في قوله: { أسلمت لرب العالمين }. والاول أقوى، لانه مذكور في اللفظ. وهو قول الزجاج. واكثر المفسرين. والثاني حكاه البلخي وبعض اهل اللغة. وارتفع يعقوب، لانه معطوف على ابراهيم. والمعنى ووصى بها يعقوب. وبه قال ابن عباس وقتادة. وقال بعضهم: إنه على الاستئناف كأنه قال: ووصى يعقوب أن { يا بني إن الله اصطفى لكم الدين } والاول اظهر لأن عليه اكثر المفسرين. " والألف واللام ". في الدين للعهد دون الاستغراق، لانه إنما اراد بذلك دين الاسلام دون غيره من الأديان. وانما أسقطت (أن) في { وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } أن { يا بني } واثبت فيإنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر } لأن اوصى في الآية بمعنى القول، فجعل بمنزلة قولك الا تقديره تقدير القول، فيجوز حينئذ إلحاق أن. كما قال: { إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر } ومثلهوآخر دعواهم أن الحمد لله } وقوله:فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله } وكل هذا الباب يجوز فيه الوجهان: بان تقدّره تقدير القول، ليكمل به تقدير الفعل الذي ليس بقول. واما قوله:أن كان ذا مال وبنين } فلا يجوز إسقاطها في مثله من الكلام، لانه ليس فيه معنى الحكاية، والقول كما في الدعوى، والارسال. واما قوله:والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم } فلا يجوز في مثله إثبات، لانه يضمر معه القول، ولا يجوز معه التصريح بالقول، ولا مع اضمار أن لأنه حكاية كما تقول: قلت له: زيد في الدار، ولا يجوز قلت له: أن زيداً في الدار وانشد الكسائي:
إني سأبدى لك فيما ابدي   لي شجنان: شجن بنجد
وشجن لي ببلاد الهند   

السابقالتالي
2