الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }

قرأ ابن عامر وأهل الكوفة بتحقيق الهمزتين، وكذلك كل همزتين مختلفتين من كلمتين. الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية.

المعنى:

المعنيّ بهذه الآية هم الذين وصفهم تعالى بانهم يقولون: { آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين }

والمعنى إذا قيل لهم آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) وبما جاء من عندالله، كما آمن به الناس يعني المؤمنين حقاً، لأن الألف واللام ليسا فيه للاستغراق، بل دخلا للعهد فكأنه قيل: آمنوا كما آمن الناس الذين تعرفونهم باليقين والتصديق بالله ونبيه ـ صلى الله عليه وآله ـ وبما جاء به من عند الله.

والألف في قوله: { أنؤمن } ألف إنكار، وأصلها الاستفهام، ومثلهأنطعم من لو يشاء الله أطعمه } وكقول القائل: أأضيع ديني وأثلم مرؤتي؟ وكل هذا جواب، لكن قد وضع السؤال فيه وضعاً فاسداً، لوصفهم ان الذين دعوا إليهم سفهاء.

وموضع (إذا) نصب، وتقديره: قالوا إذا قيل لهم ذلك انؤمن، فالعامل فيه قالوا.

والسفهاء جميع سفيه، مثل: علماء وعليم، وحكماء وحكيم، والسفيه: الضعيف الرأي الجاهل القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار ولذلك سمى الله الصبيان سفهاء بقوله:ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } فقال عامه اهل التأويل هم النساء والصبيان لضعف آرائهم وأصل السفه: خفة الحلم وكثرة الجهل. يقال: ثوب سفيه اذا كان رقيقاً بالياً. وسفهته الريح: اذا طيرته كل مطيّر. وفي اخبارنا أن شارب الخمر سفيه فأمر الله تعالى أن يؤمنوا كما آمن المؤمنين المستبصرون فقالوا: أنؤمن كما آمن الجهال، ومن لا رأي له ومن لا عقل له كالصبيان والنساء، فحكم الله عليهم حينئذ بانهم السفهاء باخباره عنهم بذلك. وهو من تقدم ذكره من المنافقين.

والسفيه إنما سمي مفسداً من حيث انه يفسد من حيث يظن انه يصلح، ويضيّع من حيث يرى أنه يحفظ وكذلك المنافق يعصي ربه من حيث يظن انه يطيع ويكفر به من حيث يظن أنه يؤمن به. والألف واللام في السفهاء للعهد كما قلناه في الناس.

وهذه الآية ايضاً فيها دلالة على من قال: إن الكافر لا يكون إلا معانداً، لأنه قال: { ولكن لا يعلمون }.