الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

المعنى:

التقدير واذكروا إذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً. فان قيل: هل كان الحرم آمنا قبل دعوة ابراهيم (ع)؟ قيل فيه خلاف:

قال مجاهد عن ابن عباس، وابو شريح الخزاعي: كان آمنا لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) حين فتح مكة هذه حرم حرمها الله يوم خلق السماوات والارض، وهو الظاهر في رواياتنا.

وقال قوم: كانت قبل دعوة ابراهيم كسائر البلاد، وانما صارت حرماً بعد دعوته (ع) كما صارت المدينة. لما روي ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " ان ابراهيم (ع) حرم مكة، واني حرمت المدينة ".

وقال بعضهم: كانت حراماً والدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراماً بعد الدعوة والاول يمنع الله إياها من الاضطلام، والانتقام، كما لحق غيرها من البلاد، وبما جعل في النفوس من تعظيمها، والهيبة لها. والوجه الثاني ـ بالامر على ألسنة الرسل. فأجابه الله إلى ما سأل. وانما سأل أن يجعلها آمنا من الجدب، والقحط لانه أسكن أهله بواد غير ذي زرع، ولا ضرع. ولم يسأله أمنه من انتقال، وخسف، لانه كان آمنا من ذلك. وقال قوم: سأله الامرين على ان يديمهما له. وان كان احدهما مستأنفا، والآخر كان قبل.

ومعنى قوله: { بلداً آمنا } أي يأمنون فيه. كما يقال: ليل نائم أي النوم فيه.

اللغة:

والبلد والمصر والمدينة نظائر. ورجل بليد اذا كان بعيد الفطنة. وكذلك يقال للدابة التي تقصر عن نظائرها. وأصل البلادة التأثير. ومن ذلك قولهم لكركرة البعير: بلدة لانه اذا برك تأثرت. والبلد: الاثر في الجلد، وغيره. وجمعه أبلاد. وانما سميت البلاد من قولك. بلد او بلدة، لانها مواضع مواطن الناس وتأثيرهم. والبلد: المقبرة ويقال: هو نفس القبر قال حفاف:
كل امرىء نازل أحبته   ومسلم وجهه إلى البلد
و { لا أقسم بهذا البلد } يعني بمكة والتبلد نقيض التجلد. وهو استكانة وخضوع. وتبلد الرجل: اذا نكس وضعف في العمر، وغيره حتى في السجود. والبلدة: منزل من منازل القمر. وأصل الباب البلد، وهو الاثر في الجلد، وغيره.

المعنى:

وقوله { فأمتعه قليلا } يعني بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته. وقيل فأمتعه بالبقاء في الدنيا. قال الحسن: فامتعه بالامن والرزق إلى خروج محمد (صلى الله عليه وسلم) فيقتله إن أقام على كفره. أو يجليه عنها. وقد قرىء في الشواذ فامتعه على وجه الدعاء بصورة الامر، ثم اضطره بمثل ذلك على ان يكون ذلك سؤالا من ابراهيم ان يمتع الكافر قليلا ثم يضطره بعد ذلك إلى عذاب النار. والاول اجود لانه قراءة الجماعة، هذا مروي عن ابن عباس.

القراءة:

والراء مفتوحة في هذه القراءة وكان يجب ان تكسر كما يقال مد ومد ولم يقرأ به أحد وقرأ: ابن عباس وحده { فأمتعه قليلا } من المتعة على الخبر الباقون بالتشديد بدلالة قوله: { متعناهم إلى حين }.

السابقالتالي
2