الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قيل في معنى هذه الآية قولان:

احدهما ـ ان النبي " صلى الله عليه وسلم " كان مجتهداً في طلب ما يرضيهم، ليقبلوا إلى الاسلام ويتركوا القتال، فقيل له: دع ما يرضيهم إلى ما امر الله به من مجاهدتهم.

والآخر ـ قال الزجاج: كانوا يسألونه " ع " الهدنة والمسالمة ويرونه انه ان امهلهم اسلموا. فاعلمه الله انهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم. وهذه الآية تدل انه لا يصح ارضاء اليهود ولا النصارى على حال، لانه تعالى علقه بان اليهود لا يرضون عنه حتى يكون " صلى الله عليه وسلم " يهوديا، والنصارى لا يرضون عنه حتى يكون نصرانيا، فاستحال ان يكون يهوديا نصرانيا في حال واستحال إرضاؤهم بذلك.

اللغة:

والرضا والمحبة، والمودة نظائر وضد الرضا الغضب. ويقال رضي يرضى رضاء. وارضاه إرضاء، وارتضاه ارتضاء، واسترضاه وترضاه ترضيا، وتراضوا تراضيا، والرضي والمرضي بمعنى واحد. والرضا مقصور من بنات الواو بدلالة الرضوان تقول: رجل رضى ورجال رضى وامرأة ونساء رضى. وأصل الباب الرضى نقيض الغضب. وقوله: { حتى تتبع ملتهم } فالملة، والنحلة، والديانة نظائر. وتقول وجد فلان ملة وملالا. وهو عدوى الحمى. ومللت الشيء أمله ملالة ومللا: إذا سئمته ومللت الخبزة املها ملا: اذا دفنتها في الجمر والجمر بعينه الملة. وقال صاحب العين: الملة الرماد والجمر وكل شيء تمله في الجمر فهو مملول. قال الشاعر في وصف الحرباء:
كأنّ ضاحيه بالنار مملول   
والمملول الممتل من الملة. وطريق ممل مليل: قد سلك حتى صار معلماً وملة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " الامر الذي اوضحه. وامتل الرجل اذا اخذ في ملة الاسلام: اي قصدها ما امل منه. والأمل املال الكتاب، ليكتب. والمليلة من الحمى.

المعنى:

وقوله: { قل إن هدى الله هو الهدى } معناه هو الذي يهدي إلى الجنة. لا اليهودية، ولا النصرانية. وقيل ان معناه الدعاء إلى هدى الله الذي يكذب قولهملن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصار } وهي الادلة الواضحة على ان المطيع لله هو الذي يفوز بثوابه في الجنة، لا من ذكروه من العصاة له. وهذه الآية تدل على ان من علم الله منه انه لا يعصي، يتناوله الوعيد والزجر، لانه تعالى علم ان النبي " صلى الله عليه وسلم " لا يعصي ولا يتبع اهواءهم، وفيها دلالة على ان كل من اتبع الكفار على كفرهم ما له من الله من ولي ولا نصير، لانه اذا وجب ذلك في متبع واحد، وجب ذلك في الجميع.

الاعراب:

{ حتى تتبع } نصب بحتى وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه، وجميع البصريين أن الناصب للفعل (أن) بعد حتى، لان حتى تخفض الاسم في قوله:حتى مطلع الفجر } ولا يعرف في العربية حرف يعمل في اسم وفعل، ولا ما يكون خافضاً لاسم، يكون ناصباً لفعل. فصار ذلك مثل قولك جاء زيد ليضربك، فانها تنصب الفعل باضمار (ان) لكونها جارّة للاسم.