الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

القراءة:

قرأ ابن عامر " فيكون " نصباً. الباقون بالرفع.

اللغة:

بديع بمعنى مبدع. مثل أليم بمعنى مؤلم، وسميع بمعنى مسمع. وبينهما فرق لأن في بديع مبالغة ليس في مبدع، ويستحق الوصف في غير حال الفعل على الحقيقة. بمعنى ان من شأنه الانشاء، لأنه قادر عليه، ففيه معنى مبدع. وقال السدي: تقول ابتدعها، فخلقها ولم يخلق قبلها شيئاً تتمثل به. والابداع، والاختراع، والانشاء نظائر. وضد الابتداع الاحتذاء على مثال. يقال: أبدع إبداعا وابتدع ابتداعا، وبدع تبديعاً. وقال ابن دريد: بدعت الشيء: اذا انشأته: والله { بديع السماوات والأرض } أي منشئهما. وبدعت الركي، اذا استنبطتها، وركي بديع: أي جديد الحضر. ولست ببدع في كذا. أي لست بأول من أصابه هذا. ومنه قوله:ما كنت بدعاً من الرسل } وكل من احدث شيئا، فقد ابدعه. والاسم: البدعة وأبدع بالرجل: اذا كلت راحلته، وانقطع به. وقوله: { ما كنت بدعاً من الرسل } أي ما كنت بأول مرسل. والبدعة: ما ابتدع من الدين، وغيره، وجمعها بدع. وفي الحديث: كل بدعة ضلالة. وتقول جئت بأمر بديع، أي مبتدع عجيب وأبدعت الابل: اذا تركت في الطريق من الهزل. وأصل الباب: الانشاء.

المعنى:

وقوله: { وإذا قضى أمراً } يحتمل أمرين:

أحدهما ـ اذا خلق امراً. كما قالفقضاهن سبع سماوات في يومين } أي خلقهن ـ وهو اختيار البلخى، والرماني، والجبائي.

والثاني: حتم بان يفعل أمراً وحكم. وقيل احكم امراً، كما قال ابو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما   داود أو صنع السوابغ تبع
اللغة:

قضاهما: احكمهما، والقضاء والحكم نظائر. يقال: قضى يقضي قضاء، واقتضى اقتضاء، وتقاضيا تقاضياً، واستقضى استقضاء، وتقضّ تقضياً وقضّ تقضية، وقاضاه مقاضاة، وانقضى انقضاء. قال صاحب العين: قضى يقضي قضاء، وقضية: يعني حكم. وتقول: قضى اليه عهداً معناه اوصى اليه. ومنه قوله:وقضينا إلى بني إسرائيل } قضى عليها الموت } أي اتى عليه. والانقضاء فناء الشيء، وذهابه. وكذلك التقضي. وأصل الباب: القضاء. والفصل والقضاء ينصرف على وجوه:

منها الامر كقوله تعالى:وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر. ومنه الخلق كقوله:قضاهن سبع سماوات } أي خلقهن. ومنه الاخبار، والاعلام، كقوله:وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } أي اخبرناهم ومنه الفصل: قضى القاضي بين الخصمين أي فصل الامر بينهما.

المعنى:

ومعنى قوله: { فإنما يقول له كن فيكون } قيل فيه قولان:

أحدهما ـ انه بمنزلة المثل ومعناه ان منزلة الفعل له في السهولة، وانتفاء التعذر كمنزلة ما يقال له كن فيكون كما يقال قال فلان برأسه كذا وقال بيده: اذا حرك رأسه وأومى بيده، ولم يقل شيئاً في الحقيقة وقال ابو النجم:
اذ قالت الانساع للبطن الحقى   قدماً فآضت كالفنيق المحنق

السابقالتالي
2 3