الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

النزول:

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقال ابن عباس: انه لما قدم اهل نجران من النصارى على رسول الله " صلى الله عليه وسلم " اتتهم احبار يهود، فتنازعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال رافع بن خويلد: ما انتم على شيء، وكفر بعيسى وبالانجيل، فقال رجل من من اهل نجران من النصارى: ما أنتم على شيء وجحد بنبوة موسى، وكفر بالتوراة فأنزل الله في ذلك الآية إلى قوله: { فيما كانوا فيه يختلفون }.

وقال الربيع: هؤلاء اهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

المعنى:

ومعنى الآية احد شيئين:

احدهما ـ حل الشبهة بانه ليس في تلاوة الكتاب معتبر في الانكار، لما لم يؤت على انكاره، ببرهان فلا ينبغي ان تدخل الشبهة بانكار اهل الكتاب لملة اهل الاسلام اذ كل فريق من اهل الكتاب قد انكر ما عليه الآخر، ثم بين أن سبيلهم كسبيل من لا يعلم الكتب في الانكار لدين الاسلام من مشركي العرب، وغيرهم ممن الكتاب له فيهم، وجحدهم لذلك سواء اذ لا حجة معهم يلزم بها تصديقهم، لا من جهة سمع ولا عقل.

والوجه الآخر ـ الذم لمن انكر ذلك من اهل الكتاب على جهة العناد، اذ قد ساوى المعاند منهم للحق الجاهل به في الدفع له، فلم ينفعه علمه، بل حصل على مضرة الجهل كما حصل عليه من لا علم له به. فان قيل: اذا كانت اليهود انما قالت: ليست النصارى على شيء في تدينها في التوراة فكيف قال: { كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم } وأهل الحق ايضاً يقولون مثل قولهم؟ قيل: إن المعنى { كذلك قال الذين لا يعلمون الكتاب }. اي فقد ساووا في ذلك من لا كتاب له. وكما لا حجة في جحد هؤلاء كذلك لا حجة في جحدهم، ولم يساووا أهل الحق فيه، لانهم قالوه عن علم. والمعني بقوله: { كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم } ـ في قول السدي ـ هم العرب الذين قالوا: ليس محمد (صلى الله عليه وسلم) على شيء. وقال الربيع: قالت النصارى: مثل قول اليهود قبلهم، ووجه هذا القول، اي فقد ساووكم يا معشر اليهود في الانكار { وهم لا يعلمون }. وقال عطاء: هؤلاء الذين لا يعلمون امم كانت قبل اليهود والنصارى، وقبل التوراة والانجيل.

اللغة

و " القيامة " مصدر إلا انه صار كالعلم على وقت بعينه، وهو الوقت الذي بعث الله عز وجل فيه الخلق، فيقومون من قبورهم إلى محشرهم. تقول: قام يقوم قياماً وقيامة: مثل عاد يعود عياداً وعيادة، وصانه صيانة، وعاده عيادة.

المعنى:

وقوله: { فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } يحتمل امرين:

احدهما ـ قال الحسن حكمه فيهم ان يكذبهم جميعاً ويدخلهم النار. وقال ابو علي: حكمه الانصاف من الظالم المكذب بغير حجة ولا برهان للمظلوم المكذب. وقال الزجاج: حكمه ان يريهم من يدخل الجنة عيانا. وهذا هو حكم الفصل في الآخرة فاما حكم العقل في الدنيا فالحجة التي دل الله بها على الحق من الباطل في الديانة.