الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

فان قيل: اليس بلى انما تكون في جواب الاستفهام مثل قوله { ألست بربكم قالوا بلى } فكيف دخلت ها هنا؟ قلنا إنما جاز ذلك لأنه يصلح ان يكون تقديره أما يدخل الجنة احد فقيل { بلى من أسلم وجهه لله } لان ما تقدم يقتضي هذا السؤال، ويصلح ان يكون جواباً للجحد على التكذيب ـ كقولك: ما قام زيد فيقول: بلى قد قام، ويكون التقدير ها هنا ليس الامر كما قال الزاعمون { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } ولكن { من أسلم وجهه لله وهو محسن } فهو الذي يدخلها وينعم فيها، أو بلى من اخلص نفسه لطاعة الله.

ومعنى اسلم يحتمل امرين: احدهما ـ اسلم الى كذا بمعنى صرفه اليه كقولك اسلمت الثوب اليه، والثاني ـ اسلم له بمعنى اخلص له من قولك: قد سلم الشيء لفلان اذ اخلص له. ومنه قوله:ورجلا سلماً لرجل } اي خالصاً وقال زيد ابن عمرو بن نفيل:
واسلمت نفسي لمن اسلمت   له المزن تحمل عذباً زلالا
وانما جاز اسلم وجهه لله على معنى اسلم نفسه لله على مجرى كلام العرب في استعمال وجه الشيء، وهم يريدون نفس الشيء، إلا انهم ذكروه باللفظ الاشرف الأبنه ودلوا عليه به. كما قال عز وجل:كل شيء هالك إلا وجهه } أي إلا هو. وقال:كل من عليها فان ويبقى وجه ربك } وقال الاعشى:
أؤول الحكم على وجهه   ليس قضائي بالهوى الجائر
يعني على ما هو من صحته، وصوابه. وقال ذو الرمة:
فطاوعت همي وانجلى وجه بازل   من الأمر لم يترك خلاجاً بزولها
يريد انجلى البازل من الامر. وقال ابن عباس: اسلم وجهه لله: اخلص عمله لله. وقال الربيع: اخلص لله. وقال الحسن: يعني بوجهه: وجهه في الدين. وقيل معناه استسلم لامر الله. ومن الوجه يقال: توجه توجهاً، وواجه مواجهة، وتواجهوا تواجهاً. والجهة: النحو. تقول: كذا على وجه كذا، والوجهة القبلة شبهها في كل وجهة: اي كل وجه استقبلته، واخذت فيه. وتقول توجهوا اليك، ووجهوا اليك. كل يقال: غير أن قولك: توجهوا اليك على معنى ولو اليك وجوههم. والتوجه الفعل اللازم. والوجاه والتجاه لغتان: وهو ما استقبل شيء شيئاً تقول دار فلان تجاه دار فلان. والمواجهة: استقبالك بكلام او بوجه. وأصل الباب الوجه مستقبل كل شيء ووجه الانسان: محياه. ونقيض الوجه القفاء. ويقال: وجه الكلام، تشبيهاً بوجه الانسان، لانه اول ما يبدو منه، ويعرف به. وقد يقال في الجواب: هذا وجه وذلك خلف، تشبيهاً ايضاً من جهة الحسن، لان الغالب في الوجه انه احسن. ويقال: هذا وجه الرأي الذي يبدوا منه، ويعرف به. والوجه من كل شيء: اول ما يبدو، فيظهر بظهور ما بعده.

السابقالتالي
2