الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

القراءة:

قرأ ابن عامر، وحمزة،، والكسائي، وخلف: { ولكن الشياطين }ولكن الله قتلهم } ولكن الله رمى } بتخفيف النون من (لكن) وكسرها في الوصل، ورفع الاسم بعدها. الباقون بالتشديد. وروي تثنية { الملكين } بكسر اللام، ها هنا حسب.

المعنى:

واختلفوا في المعني بقوله { واتبعوا } على ثلاثة اقوال: فقال ابن جريج، وابو اسحاق: المراد به اليهود الذين كانوا في زمن النبي " صلى الله عليه وسلم " وقال الجبائي: المراد به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان. وقال قوم: المراد به الجميع وهو قول المتأخرين، قال:، لان مبتغي السحر من اليهود لم يزالوا منذ عهد سليمان إلى ان بعث محمد " صلى الله عليه وسلم ". وروي عن الربيع: أنّ اليهود سألوا محمداً " صلى الله عليه وسلم " زماناً عن امور من التوراة ـ لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا انزل الله عليه ما سألوا عنه ـ فيخبرهم، فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما انزل علينا منا وانهم سألوه عن السحر، وخاصموه به، فأنزل الله عز وجل { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } ومعنى { تتلوا } قال ابن عباس: تتبع، لان التالي تابع. وقال بعضهم: يُدّعى ـ وليس بمعروف ـ وقال قتادة، وعطا: معناه تقرأ من تلوت كتاب الله: اي قراته. وقال تعالى:هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت } اي تتبع وقال حسان بن ثابت:
بنيّ يرى ما لا يرى الناس حوله   ويتلو كتاب الله في كل مشهد
والذي تتلوه هو السحر ـ على قول ابن اسحاق، وغيره من اهل العلم: ـ وقال بعضهم: الكذب. ومعنى قوله: { على ملك سليمان } على عهد سليمان. قال ابن اسحاق وابن جريج: في ملك سليمان حين كان حياً. وهو قول المبرد وقال قوم: إنما قال تتلو { على ملك } لانهم كذبوا عليه بعد وفاته كما قال:ويقولون على الله الكذب } وقال:أتقولون على الله ما لا تعلمون } وقال الشاعر:
عرضت نصيحة من ليحيى   فقال غششتني والنصح مرّ
وما بي ان اكون اعيب يحيى   ويحيى طاهر الاخلاق برّ
ولكن قد اتاني ان يحيى   يقال عليه في نفعاء شرّ
فاذا صدق، قيل: تلا عنه. واذا كذب، قيل تلا عليه، واذا أبهم، جاز فيه الامران. قوله: { الشياطين } قال قوم: هم شياطين الجن، لان ذلك هو المستفاد من اطلاق هذه اللفظة. وقال بعضهم: المراد به الشياطين الانس المتمرّدة في الضلالة.

كما قال جرير:
ايام يدعونني الشيطان من غزلي   وكنّ يهوينني اذ كنت شيطانا
وقوله: { وما كفر سليمان } وإن لم يجر لذلك ذكر، يكون هذا تكذيباً له. فمعناه ان اليهود اضافوا إلى سليمان السحر، وزعموا ان ملكه كان به، فبرّأه الله مما قالوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9