الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

الاعراب:

الواو في قوله { أو كلما } عند سيبويه واكثر النحويين واو العطف. الا ان الف الاستفهام دخلت عليها، لان لها صدر الكلام، وهي او الاستفهام بدلالة ان الواو يدخل على هل، لان الالف اقوى منها. قال الزجاج وغيره تقول: وهل زيد عاقل، ولا يجوز وأزيد عاقل. وقال بعضهم يحتمل ان تكون زائدة. كزيادة الفاء في قولك: أفالله لتصنعن. والاول ـ اصح لانه لا يحكم بالزيادة مع وجود معنى من غير ضرورة، والعطف على قوله:خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا } { أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم } وانما اتصل ذكر العهد بما قبله لاحد امرين:

احدهما ـ بقوله: { وإذ أخذنا ميثاقكم }.

والثاني ـ انهم كفروا بنقض العهد كما كفروا بالآيات.

المعنى:

والمراد بالعهد ها هنا: الميثاق الذي اخذه الله ليؤمننّ بالنبي الاميّ ـ على قول ابن عباس ـ وقال ابو علي: المعني به العهود التي كانت اليهود اعطوها من انفسهم ـ في ايام انبيائهم، وفي ايام نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، لانهم كانوا عاهدوه انهم لا يعينوا عليه احداً فنقضوا ذلك واعانوا عليه قريشاً يوم الخندق.

اللغة:

وقوله: { نبذه } النبذ والطرح والالقاء نظائر. قال صاحب العين: والنبذ طرحك الشيء عن يدك امامك، او خلفك. والمنابذة: انتباذ الفريقين للحرب. تقول نبذنا إليهم على سواء: اي نابذناهم الحرب. والمنبوذون هم الاولاد الذين يطرحون ـ والنبيذ معروف ـ والفعل نبذت لي، ولغيري، وانبذت: خاصة لنفسي. والمنابذة في البيع منهي عنها وهي كالرمي، كأنه اذا رمى اليه. وجب له، وسمي النبيذ: نبيذاً، لأن التمر كان يلقى في الجرة وغيرها. وهي فعيل بمعنى مفعول. واصاب الارض نبذة من المطر: اي قليل.

المعنى:

قال قتادة: معنى نبذه في الآية: نقضه، وقيل: تركه. وقيل ألقاه، والمعنى متقارب ـ قال ابو الاسود الدؤلي:
نظرت إلى عنوانه فنبذته   كنبذك نعلاً اخلقت من نعالكا
وقوله: { بل أكثرهم } الهاء، والميم عائدتان على المعاهدين، ولا يصلح على الفريق اذ كانوا كلهم غير مؤمنين. واما المعاهدون: فمنهم من آمن كعبد الله ابن سلام، وكعب الاحبار وغيرهما. وانما دخلت بل على قوله: { اكثرهم لا يؤمنون } ، لامرين:

احدهما ـ انه لما قال: { نبذه فريق منهم } دل على انه كفر ذلك الفريق بالنقض، وحسن هذا التفصيل، لان منهم من نقض عناداً. ومنهم من نقض جهلاً.

والوجه الثاني ـ كفر فريق منهم بالنقض، وكفر اكثرهم بالجحد للحق، وهو امر النبي " صلى الله عليه وسلم " وما يلزم من اتباعه، والتصديق به. وقيل بل يعني ان الفريق وان كانوا هم المعاندون، والجميع كافرون. كما تقول: زيد كريم بل قومه جميع كرام.

وقوله: { أو كلما } نصب على الظرف، والعامل فيه نبذ، ولا يجوز ان يعمل فيه عاهدوا، لانه متمم [لما]: اما صلة، واما صفة.